مصر الكبرى
المتاجرة بثورات الربيع العربي
لا أحد ينكر أن زلزالا كبيرا وغير متوقع حدث في الوطن العربي، سماه البعض "الربيع العربي". حصل هذا الحدث الكبير بإرادة بعض الشعوب العربية، إلا أن عدوى هذا الربيع لم تُصب الجزء الأكبر من شعوب المنطقة التي لم تتحرك لحد الآن؛ والأسباب تبدو متعددة، إما خوفا من بطش الأنظمة، أو لاقتناع بعض الشعوب بأنها تعيش بانسجام مع أنظمتها التي تؤمن لها هامش من الحرية والديمقراطية.
يوجد هناك الكثير من المشككين بهذا الربيع العربي والذين لا يستسيغون تسمية ما حصل بالربيع العربي، لأنه لم يحقق ما طمحت إليه الشعوب، ويعتبرون هذه التغييرات التي حصلت هي أقل ما تطمح إليه، وأن القوى التي وصلت إلى الحكم ليست هي القوى التي أرادتها هذه الشعوب.
من غير شك بأن ثورات الربيع العربي بدأت بشكل بريء وعفوي من قبل أناس مخلصين لأوطانهم، ولا شك بأن أهدافهم كانت نبيلة ونقية؛ ولكن للأسف تم خطف الربيع العربي وبُددت معانيه، وتم حرفه عن مساره بواسطة قوى داخلية لا يهمها سوى الوصول إلى السلطة، أو بواسطة قوى إقليمية ودولية لا يهمها سوى مصالحها والمتاجرة بهذه الثورات وتجييرها لصالحها ولخدمة أجندتها.
إن القوى التي وصلت إلى السلطة في مصر أو تونس ليست هي القوى التى قامت بالثورة، ولكنها وصلت بطريقة شرعية وديمقراطية، فالثورة لم يكن من أهدافها الرئيسية وصول حزب معين إلى السلطة والقول بعد ذلك إن الثورة قد انتهت وهذه هي نهاية المطاف.
ففي الدول الأكثر ديمقراطية تحصل فيها ثورات أيضا وتظاهرات، والأسباب عديدة، منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكل هذا يحصل حينما لا تقدر الدولة على تأمين متطلبات الشعوب.
بالرغم من ممارسة العملية الديمقراطية في تونس ومصر الا ان اهداف الثورات لم تتحقق بعد، واسبابها ما زالت قائمة، ولهذا تقع على السلطات الجديدة في هذه البلدان مسؤولية مضاعفة من حيث تحقيق المساواة والعدل والسماح بحرية التعبير، والاهتمام بالمواطن ومعاملته كشريك في الوطن وليس اداة انتخابية، وايصال بعض الاحزاب الى السلطة. وعلى السلطات الجديدة عدم تكرار أخطاء الانظمة البائدة وإلا ستجد نفسها قريبا امام ثورات شعبية جديدة ومطالب بتحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
ان الوضع في سوريا لا يختلف عن الاوضاع في البلدان الاخرى، حيث بدأ الحراك الشعبي عفويا، اراد الناس التعبير عن ارائهم والمطالبة بالحرية والتغيير وبطرق سلمية، ولكن اصرار النظام وتعنته على عدم تحقيق مطالب هؤلاء المواطنين أدى الى توسيع رقعة الاحتجاجات التي بدأت بالعشرات ثم المئات، الى ان وصلت الى هذا النحو الذي نشهده، ونشوء معارضة مسلحة، وتحولت هذه الاحتجاجات الى حرب حقيقية.
لقد تم استغلال الوضع السوري؛ وبحجة دعم المعارضة دخلت على خط هذه الازمة قوى أرادت المتاجرة بدماء الشعب السوري والإمساك بخيوط اللعبة ودعم هذه الجماعات لتحقيق اهدافها والاجندات التي وضعتها لنفسها من خلال الدعم بالمال والسلاح.
فالثورة السورية هنا اصبحت مأجورة ولها اصحاب يريدون تحقيق مصالحهم الخاصة في هذا البلد، فاليوم المعارضة تطلب المساعدات من الخارج ولا تعرف بانها في المستقبل ستدفع ثمن هذا الدعم والارتهان للخارج…
الخارطة العربية تتشكل من جديد والكل يريد نهش قطعة لنفسه وان يملك موطئ قدم في هذه المنطقة، وكأن الدول العربية اصبحت مشاعا للمستثمرين الذين يملكون المال والسياسيين الذين يطمحون الى تحقيق دور لشخصهم ودولهم في تقرير مستقبل هذه المنطقة.
ان الثورات اصبحت هي المدخل الرئيسي للاستثمارات السياسية والاقتصادية في المنطقة، فهي اصبحت كأي مشروع ربحي، والكل يريد الاستثمار فيه ويضمن له دورا في المستقبل وتحديد شكل واتجاهات السلطة في هذه الدول.
ان القوى الاقليمية والغربية لها مطامع ومصالح في الدول العربية، واهدافها متعددة ومختلفة، منها السياسية والتجارية، وهذا شيء مفهوم، ولكن غير المفهوم هو لماذا تظن بعض الدول العربية نفسها أنها بمنأى عن هذه الاطماع وتعمل على مساعدة هذه القوى دون ان يكون لها اهداف استراتيجية واضحة؟
الديمقراطية حق للشعب السوري والشعب المصري ولكل الشعوب العربية دون استثناء ودون انتقائية ودون متاجرة بحرية الشعوب العربية، فليست الشعوب هي وحدها من يقرر بناء الديمقراطية وممارستها، فالقرار يجب ان يكون ايضا مسؤولية الانظمة وزعمائها الذين يجب عليهم ان يعوا ضرورة المرحلة، واجراء اصلاحات دون ضغط من قبل الشعوب أو ضغوط خارجية، لكي لا نصل الى ما شهدناه ونشهده من مآسي في بعض البلدان العربية.