مصر الكبرى
إبراهيم القاضي يكتب … الوهم (قصة قصيرة)
نهض من نومه سعيدا , فالحلم كان جميلا ,وقف أمام مرآته ,وعدل هندامه , وضع عطره النفاذ , و مشط شعره .
ما تلك العينان الساحرتان !ما ذلك الشعر الناعم ! كان يحدث نفسه امام مراته وكأنها تحدثه : ما أروعك ! ما أجملك !اليوم سوف يقتحم سور الصين العظيم ، سيحارب جيوش الرومان ، سيهزم التتار، فهو اشجع الشجعان .اليوم سيضع نهاية جميلة لقصته المجنونة، سيبوح لها بسره .ان كان سرا.. فعيناه فضحته منذ زمن ..سوف يقول لها احبك .. نعم سيقول لها احبك , لما لا .. فهو لا يهاب عنياها السوداوتان اللامعتان الساحرتان ..انتهى من حديثه لمرآته الصديقة ، و ذهب هناك ليلقاها و بصحبته رفيقاه .. قال لهما متحديا : سابوح لها بعشقى ..بل سابوح بكل اسرارى..اكتفى الاول بالضحك ،بينما سخر الثانى و قال ضاحكا : انا لمنتظرون .. و بعد دقائق لناظرون ..ركبوا سويا هو و رفيقاه و ليلاه ..عيناه فى عيناها .. الان .. اتى دورك يا لسان ..فلتخرج مافى القلب من كلمات .. هلم يا لسان .. فانت اشجع الشجعان.. ظل اللسان صامتا .. اللعنة عليك ايها الجبان لم تخذلنى فى الميدان .. لما تترك قلبى وحيدا يعانى الالام .. نظر الى رفيقاه محمر الوجه .. فاكتفى الاول بالضحك ..بينما سخرالاخر.. و قال ضاحكا : أأفى فمك ماء ؟! ..ليلى امام عيناك فلتقل ماتشاء .وضع عيناه فى الارض..و قال بصوت فيه بعض الخجل و كثيرا من الغضب : ساخبرها غدا .. فى الغد سيكون الكلا م ..و سينطلق اللسان ..مازال حلمه الجميل صديقه الوفى فى منامه .. ليلى معه فى جزيرة فى اخر البلاد.. ليس فيها انس و لا جان ..غير حبهما و ضحكتها و همستها و غمزتها ..اه كم اوجع قلبى حبك ..كانت تحدثه ..و هى بين احضانه الدافئة.فى يومه التالى ..قام بنفس مراسمه المعتادة ..وحدث مرآته ..الان سيفعل ما عجز عنه بالامس ..فنحن ابناء اليوم ..ذهب برفيقاه و ركب السيارة مع ليلاه.. لكن لسانه ادمن الخذلان ..مر يوم اثنان ثلاثة ..شهر شهران ثلاثة ..عام عامان ثلاثة ..و لسانه عاجز .. حتى وقف امام مرآته متحديا و مصمما ..فلقد مضت السنين ..و لم يعد مقبولا السكوت على ذلك اللسان اللعين ..فركب مع رفيقاه ..و اذا بليلاه ..تهمس وتضحك مع اخر و تداعب طفل صغير.. ينادى عليها.أمى تغير وجهه ..و عاد الى غرفته يجر اذيال خيبة قلبة المحطم .. و وقف امام مرآته ..و نظر اليها غاضبا.. فلم يجد تلك العينان الساحرتان ولا ذلك الشعرالناعم .. فحدثها و دموعه تسبق كلماته اللعنه عليك .. اين ذهبت كلماتك ؟ أين ذهب مديحك ؟
*ابراهيم القاضى..روائى و قاص شاب..صدرت له اول رواية مطبوعة فى 2012 بإسم "القرية "