مصر الكبرى
السلفيون.. والعسكر
الأربعاء الماضى، وخلال اللقاء الجماهيري الذي نظمته جماعة الدعوة السلفية لدعم المرشح الرئاسي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بمنطقة سيدي بشر، شرق الإسكندرية، كشف الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بالأسكندرية، عن تفاصيل بعض لقاءاته بأعضاء المجلس العسكري ، الذي يتولي إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية، مؤكدا أنه لا يوجد تلميح أو تنويه إلي دعم من المجلس لأي من المرشحين لرئاسة الجمهورية، معتبرا ما يتردد عن وجود مرشح للعسكر بأنه كذب.
دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمرشح بعينه فى انتخابات، أو عدم الدعم، ليس القضية المهمة، الأهم أن هذه المرة الأولى التى يكشف فيها الشيخ ياسر البرهامى، عن لقاءات جمعته بأعضاء فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو أمر يثير الانتباه، والتساؤل أيضا، إذ لماذا لم يتم الإعلان عن هذه الاجتماعات وتفاصيلها، وتوقيتاتها؟.. ولماذا اتسمت بالسرية، فى وقت تعلن فيه اجتماعات المجلس الأعلى مع مختلف القوى السياسية، ويجرى تصويرها، وتعقبها مؤتمرات صحفية؟!
بعض المحللين والكتاب تحدثوا كثيرا عن صفقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، بدأت باللقاء السري بين نائب الرئيس السابق عمر سليمان والقياديين الإخوانيين محمد مرسى وخيرت الشاطر فى فبراير 2011، وتم تسريب خبر الاجتماع بعدها بعدة أشهر، ولم يعرف محتواه على وجه الدقة حتى الآن.
فى كل الأحوال ومنذ فبراير 2011 تسير مصر على الخارطة التى أسفر عنها اجتماع سليمان ومرسى والكتاتنى، بما فى ذلك تشكيل لجنة لتعديل بعض المواد فى دستور 1971، ثم الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى فى مارس 2011، وهو ما أعطى انطباعا لدى الناس بأن هناك صفقة بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
فى تصورى المتواضع لم تكن هناك صفقة، بقدر ما أملت الظروف مثل هذا التحالف المرحلى بين المجلس الذى يدير البلاد، وجماعة الإخوان أكبر فصيل سياسى منظم فى البلاد، لكن فى تصورى أيضا أنه إذا كانت هناك ترتيبات حقيقية غير معلنة فربما تكون بين المجلس والسلفيين، وفى هذا السياق لا يستبعد أن يكون المجلس قد سمح وحرك السلفيين للمشاركة فى الحياة السياسية بعدة أحزاب لإحداث حالة من التوازن مع الإخوان.
خلال الثلاثين عاما الماضية لم تكن العلاقة بين الإخوان ومؤسسات الدولة المصرية، تسير على وتيرة واحدة، يسمح لهم بالمشاركة أحيانا، ويتم منعهم فى أحيان أخرى، لكن التنسيق بين الأمن والسلفيين لم يتوقف، وسمح الأمن للسلفيين بالنشاط فى كافة ربوع مصر وبالسيطرة على مساجد عديدة، وبحرية التنقل لمشايخهم، وحتى بالتصدى للإخوان، وبدا ذلك واضحا فى أن معظم التيارات السلفية فى مصر  تبنت عدم الخروج على الحاكم فى فترة الثورة المصرية، حتى خرج الرئيس السابق من الحكم فتحول السلفيين إلى ثوريين.
من يلاحظ الأداء السلفى تحت قبة البرلمان يلحظ مثلا أنهم عارضوا تعليق جلسات البرلمان احتجاجا على رغبة الإخوان فى إقالة حكومة الجنزورى، وفى حين رفض النور السلفى بيان الحكومة.. رفض فى نفس الوقت سحب الثقة من الحكومة وتغييرها.. ورغم أن النور كان إلى جوار الإخوان فى تشكيل تأسيسية الدستور، فإن الحزب عارض الإخوان فى تأجيل كتابة الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وذهب السلفيون إلى ضرورة كتاب الدستور قبل نتيجة الانتخابات وهو ما تبناه المجلس العسكرى.
وفى حين طرح الإخوان رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسى للرئاسة، اختار حزب النور المرشح الإخوانى السابق عبد المنعم أبوز الفتوح، وهو أمر يؤدى إلى تفتيت أصوات الإسلاميين فى انتخابات الرئاسة.
وبينما يرى بعض المحلليين الإخوان والسلفيين كتلة واحدة، أتوقع أن يبدأ التمايز والاختلاف الكبير بعد الانتخابات الرئاسية، وخاصة فى دور الانعقاد القادم لمجلس الشعب، حين يجرى انتخاب رئيس جديد للمجلس ورؤساء للجان وتشكيل حكومة جديدة، ولا أستبعد أن ينسق السلفيون مع الأحزاب المدنية ويتحول الإخوان إلى المعارضة.