كتاب 11

01:01 مساءً EET

خيبة أمل!

يطل علينا الخبراء الاقتصاديون وعلماء الاجتماع محذرين ورافعين الرايات الحمراء للفت الأنظار عن تردي أخلاقيات وقيم الالتزام بالإنتاجية والعمل واتباع واحترام القوانين والنظام، وكيف أن «المخالف» يلقى الدعم والتأييد والتشجيع الشعبي بل وحتى التعاطف والدفاع في حالات مختلفة.

فأنت لا تفاجأ وأنت تشاهد شرطي المرور وهو بزيه العسكري يدخن سيجارة فتباغته بسؤال ذكي ما إذا كان مسموحا له أن يدخن السيجارة أثناء فترة الدوام الرسمي. تنهد وهو ينظر إليك بازدراء وأجاب والابتسامة الصفراء على وجهه: «هل كفرنا إذا نفسنا قليلا عن روحنا؟ ما هذا الظلم والترصد»! 

فجأة يدب الحماس والنخوة في جمهرة من مساعديه والمتعاطفين معه وجميعهم يجتمعون معه على إحساس يجمعهم، إحساس طاغ بأنهم مظلومون وإحساس آخر بالدونية وقد يكونون محقين، ولكن ذلك موضوع آخر ومختلف وله أسباب أخرى تماما. ثم تظهر مجاميع أخرى من المنافقين والمتعاونين وأصحاب المصالح المحتملة، فيبدأون بتقديم النصح العاطفي المجاني من نوعية «ما الذي جرى؟ لماذا هذا التزمت؟ هل خربت الدنيا إذا الرجل قرر أن يأخذ سيجارة للترويح عن نفسه والإقلال من الضغط العصبي الذي يواجهه؟ هل انتهت المشاكل الكبرى في البلاد حتى نلتفت لمشكلة صغيرة مثل هذه»؟ ورويدا رويدا يبدأ السائل الذي ظن نفسه أنه محق ويمثل الحق ولا شيء غير الحق يجد نفسه في قفص الاتهام ويتحول «المدخن المخالف» إلى شخصية ضحية ومظلومة ومغدور بها، لا يتم تقدير دوره العظيم والمتفاني من لدن أناس معدومي الإحساس بالإنسانية وفاقدي التقدير تماما! 

هذا التخبط والنظرة المتناقضة لمفهوم العمل وأخلاقياته وأدبياته ومبادئه يفرز دوما المواقف المثيرة للتعجب والاشمئزاز في آن واحد. هناك مجاميع نادرة وقلة قليلة للغاية هي التي تعتز وتفتخر بعملها وتتفانى فيه بجد وإخلاص وأمانة. 

وهناك من ينظر للعمل بشكل محير وفيه نوع من اللارضا فيقول معلقا عنه: «إنه عمل وأحسن من لا شيء»، أو يقول: «إنه عمل وكفى» ويذكرك دوما وباستمرار على أنه يقوم بأداء عمله فيقول: «ها أنا أداوم ها أنا حاضر ها أنا أجيب»، وهناك من يذكرك بورعه وتقواه وتدينه في عمله بشكل أساسي فيردد: «أصلي الفرائض وأؤدي السنة والأذكار كل ذلك في أوقاتها رغم الزحام الشديد وكثافة العمل المهولة»، ويلفت نظرك باستمرار إلى «شطارته» المميزة في حل المشكلات بشكل غير تقليدي وإن «تكلف» ذلك بعض المصاريف الإضافية حتى ولو نظر هو شخصيا إلى منصبه في العمل بشكل دوني وقال عنه واصفا إياه: «أنا مجرد موظف صغير وليس لي من الأمر شيء» ويذكرك أنه يؤدي الواجب المنوط به بشكل تلقائي لأنه بحسب وصفه: «إنني أشتغل بقدر الفلوس التي يعطونني إياها لا أكثر ولا أقل»، وهناك قناعة أنه لا بد من البحث عن الأساليب الجديدة للعمل التي تعتمد على الذكاء والفهلوة والحذاقة ولكنها تصر على البعد عن الشبهات والحرام رغم تذكيره له: «إنني أذهب للدوام وأتركه ولكن دون أن يفوتني أي فرض صلاة» وإذا حاول أحد أن ينصحه بتحسين أدائه يكون الرد «يا أخي الكريم وسع صدرك وكن عاقلا». هذه النماذج من التناقض الصارخ في فكرة الاعتزاز والإيمان والقناعة بمفهوم وقيمة العمل يشكل حالة من الإحباط الهائل في أعداد مهولة من الناس التي تعمل ولكنها لا تعمل وتحسب على القطاعات الاقتصادية العامة في العالم العربي على أساس أنها مجاميع منتجة وهذا بطبيعة الحال حينما الاطلاع على تفاصيل إنتاجية هذه المجاميع تكون النتيجة صادمة للغاية. 

هناك إحساس متزايد أن المجتمع والدولة لا بد له من تقديم حصيلة الحساب والحق المستحق لكل فرد في الشعب دون أن يكون لهذا الفرد أساس الإنتاجية التي يقدمها وبالتالي يحق له المطالبة بحقه بعد أدائه لدوره. علاقة متشابكة ولكنها حقيقة موجودة ومن دون «حلحلة» هذه المسألة المعقدة ستبقى الفجوة الإنتاجية مخيبة للآمال.

التعليقات