مصر الكبرى
دول الخليج وتهديد التيار الإسلامي للهوية الوطنية
نظّم المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية ورشة عمل ضمن مشروع الوجهات المستقبلية في دول مجلس التعاون الخليجي، سلّطت الضوء على الحركات الإسلامية في الخليج العربي ودور الإسلاميين المتصاعد منذ اندلاع الانتفاضات "الربيع العربي" التي أدّت إلى صعود نجم الإسلاميين.
ركزت الحصة الافتتاحية لورشة العمل على تنوع الحركات الاسلامية الناشطة في الخليج وخاصة السعودية والكويت والبحرين وهي بلدان تتميز الحركات الاسلامية فيها بحسن التنظيم ونشاطها أكثر علنية مقارنة مع باقي البلدان الخليجية. اختلف المشاركون في المناقشات حول مدى ديمقراطية الحركات الاسلامية الحالية بيد أنها أبرزت تنوع التيارات الاسلامية والتجارب التي تدور داخلها حتى أنه من الخطأ اعتبارها موحدة. ولوحظ أنه من قبيل تبسيط الأمور اعتبار الحركات الاسلامية الشيعية موالية لإيران، والحركات السنية أداة في يد السياسة الخارجية السعودية.وقال أحد المشاركين إن الحركات الاسلامية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط تستعمل الديمقراطية فقط كسلّم للصعود إلى السلطة لأنهم متيقنون من شعبيتهم. وتُتهم هذه الحركات بعدم ليبراليتها وهو ما يطرح التساؤل عن مدى تسامحها مع الأقليات الدينية والأصوات المنشقة والمثال عل ذلك حسب بعضهم هو تهديد البرلمان الكويتي المنتخب في فبراير 2012 بزيادة التضييق على حرية التعبير ونية إدخال حكم الإعدام على المتهم بالتجديف.
وجادل آخر بأن الجماعات التي تنعت بصفة عامة بالإسلامية ما فتئت تمثل مصدرا أساسيا للنضال من أجل الاصلاح ولا يمكن إرساء نظام ملكي دستوري دونها. وقال إن المناضلين السعوديين الشبان يعتبرون أن النقاش عن مدى تجانس التوجه الاسلامي مع الديمقراطية أمر تجاوزه الزمن، فهم يريدون القيم الإسلامية مع قدر أكبر من التمثيلية.
وكانت الحركات الاسلامية في الخليج العربي تاريخيا بمثابة وسيلة لبروز بعض الرجال القادمين من أصول متواضعة والطموحين في أنظمة سياسية يرتبط النجاح فيها بالمولد والثروة. وفي باقي المنطقة يرجع نجاحها جزئيا إلى فشل الحكومات العلمانية التي يرتبط ذكرها بالوصولية والمحسوبية، إذ أن العلمانية بالنسبة إلى الكثير من الناس لها دلالات سلبية، والحركات الاسلامية أعطت الأمل في انتهاج مقاربة أكثر أخلاقية للسياسة بالرغم من أن ذلك ما زال يحتاج إلى الاختبار على أرض الواقع.
ولاحظ مشارك آخر أن الاسلاميين في المدى البعيد سيصبحون أكثر علمانية والدليل على ذلك مثال العراق حيث تميل الحركات الاسلامية الآن إلى الانشغال بكسب السلطة أكثر من تطبيق الشريعة. وقال آخرون إن الحركات الاسلامية في الدول الخليجية، وخاصة في الكويت والبحرين، أصبحت أكثر استجابة لمطالب الشباب وأصبح يقودها الشارع بدل أن تقود هي الشارع. وهذه البراغماتية تمكنهم من التأقلم والاستمرار، وعلى الليبراليين أن يعملوا مع الاسلاميين برغم الاختلافات بينهم لأن هؤلاء منظمون جيدا وناشطين.
المملكة العربية السعودية
على عكس الأفكار الخاطئة فقد كان للأحداث في تونس ومصر أثر على المملكة العربية السعودية إذ كان هناك ناشطون معظمهم اسلاميون يدفعون في اتجاه التغيير ويريدون تطوير فكرة الملكية الدستورية المتوائمة مع القيم الاسلامية.
خلال شهري فبراير وآذار 2011 كان هناك بعض النشاط السياسي المساند للإصلاح قام به "ليبراليون اسلاميون"، وكان أبرز تحرك قاموا به هو تقديم عريضة للملك آخر فبراير 2011 دعت إلى دولة تقوم على الحقوق والمؤسسات. أمضى الآلاف على هذه العريضة بما في ذلك أعداد كبيرة من الناشطين الشبان وحازت على دعم الشيخ المعروف سلمان العودة الذي كان قد سجن أواسط التسعينات لمشاركته في حركة الصحوة ثم ابتعد عن النشاط السياسي بعد خضوعه لبرنامج ‘التأهيل’. وبعد إمضائه العريضة ألغي برنامجه التلفزي المنتظم.وركز الناشطون الداعون للإصلاح على التوعية بالقضايا المرتبطة بحقوق الإنسان والسجناء السياسيين لأنها قضايا يمكن الإجماع حولها بين الليبراليين والإسلاميين. وأوضح أحد المشاركين أن عدد المساجين في السعودية الذين يمكن تصنيفهم بالمساجين السياسيين يقدر ما بين 10 آلاف و 30 ألف سجين بعضهم مازال لم يحاكم بعد.وأشار المشاركون في المناقشات إلى وجود تنوع كبير في وجهات النظر بين السعوديين الذين ينعتون أنفسهم بالسلفيين. وبما أن السلفية لم تطور فكرا سياسيا خاصا بها، بل هي مجرد قراءة خاصة للنص الديني، يرى البعض أن آراء وتصرفات السلفيين ستستمر في تنوعها في مختلف السياقات.
تأثير التحول في مصر
خلال العقود الثلاث الماضية تعاونت مصر مع الدول الخليجية على المسائل السياسية الإقليمية لكن بعض الحكومات الخليجية الآن متخوفة من تأثير التحول السياسي المصري على مستقبل العلاقات مع مصر، فأي سابقة ديمقراطية في مصر من شأنها أن تؤثر على الدول الخليجية وهو أكبر تحد تواجهه هذه الأخيرة. لكن دول الخليج لديها أوراق تفاوض في علاقاتها مع مصر مثل دورها كمصدر للاستثمار الأجنبي واستضافتها لآلاف العمال المصريين.
وتواجه مصر عددا من التحديات مما يوحي بأنها ستبقى منشغلة بمشاكلها الداخلية عوضا عن السياسة الخارجية. فقد سقط الاقتصاد ضحية للوضع السياسي وافتقدت الأحزاب السياسية تصور نموذج اقتصادي يخلق فرص العمل ويوفر دخلا محترما للمصريين. لذلك قد يكون من المبالغة الحديث عن خشية الدول الخليجية من تغير فوري في السياسية الخارجية المصرية مثل تحسن العلاقات مع إيران.
العراق وسلطة الشيعة
يقول بعض المشاركين في النقاش إنه بوجود الكثير من الشيعة في البلدان الخليجية يرنون نحو النجف في العراق كمصدر للقيادة الدينية سيكون لخلافة آيات الله علي السيستاني تبعات مهمة للدول الخليجية. وتمت مناقشة بعض الأسماء المحتملة للخلافة مثل سيد منير الخباز، وآيات الله بشير النجفي، وآيات الله محمد الفياد، وآيات الله سيد الحكيم ونوقشت بالتفصيل أصول وتوجهات كل منهم. وقال عدة مشاركين إن إيران لها قائمة فيمن يمكنهم تعويض السيستاني في حال وفاته وأحدهم هو آيات الله الشهرودي الرئيس السابق للعدالة الإيرانية. وكان هذا الأخير قد حاول عدة مرات فتح مكتب له في النجف لكنه كان شخصا غير مرغوب فيه في المدينة.
التوترات بين إيران والبلدان الخليجية
عبر المشاركون عن تشاؤمهم فيما يخص مستقبل العلاقات بين إيران و البلدان الخليجية، وقال العديد منهم إن الانقسامات السياسية داخل إيران ستشجع القادة الإيرانيين على اتخاذ مواقف أكثر عدائية تجاه الدول الخليجية. وشعر المشاركون في المجمل أن التوتر مع إيران سيبقى عاليا بالرغم من تفاؤل بعض المشاركين حول تحسن الأجواء إثر محادثات بين إيران ومجموعة 5+1. بالإضافة إلى ذلك تغير الخطاب الرسمي الإيراني سواء الموجه للداخل أو الخارج، وقال أحد المشاركين إن ذلك قد يرجع إلى تأثير العقوبات المسلطة على الحكومة حيث وصل مستوى التضخم إلى 40 بالمائة.
ولاحظ البعض خطأ الاعتقاد أو الادعاء القائل بأن الشيعة العرب موالين لإيران أكثر من ولائهم لبلدانهم، ويمكن اكتشاف هذه الحقيقة من خلال النظر في المداولات الفقهية والسياسية للمسلمين الشيعة. وبالرغم من ذلك يستمر استعمال هذه الرواية في البحرين والسعودية بالخصوص، وفسر بعض المتدخلين أن ذلك يندرج في إطار سياسة ‘فرق تسد’ من أجل تشويه سمعة حركات المعارضة الشيعية. وبيّن أحد المشاركين أن أغلب الشيعة في البلدان الخليجية لا يتبعون النموذج الإيراني ولا يأخذون الأوامر من إيران-إذ أن أغلبهم يتبعون فقهاء لا ينخرطون في نظام ولاية الفقيه- وأن النظرة تجاه السياسة الإيرانية قد تطورت وتغيرت خلال الثلاثين سنة الماضية بالرغم من مواصلة البعض حمل فكرة رومنسية مثالية عن إيران. وعلق مشارك آخر أنه حان الوقت لتجاهل النظرية القائلة بأن كل ما هو شيعي إيراني، وكل ما هو إيراني شيعي.