كتاب 11

01:43 مساءً EEST

الخرائط والجغرافيا!

يستعد الاسكتلنديون لخوض استفتاء مصيري ومهم جدا في الأيام القليلة المقبلة لتقرير مصيرهم في مسألة الانفصال عن بريطانيا وإعلان استقلالهم أو البقاء ضمن النظام البريطاني وجزءا منه، وعلى الأرجح وعلى الأغلب تشير استطلاعات الرأي المحترمة إلى أن هناك أغلبية مهمة ترغب في استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، وبالتالي سيشهد العالم مولد بلد جديد ينضم إلى قائمة الدول المتزايدة.

وهناك تطورات مهمة تحصل في أوكرانيا، نتاج التدخلات الكبيرة من قبل روسيا، وذلك بدعم حكومتها للحراك الانفصالي المسلح في شرق أوكرانيا وعدم إخفاء نواياها من «دعمها» للانفصاليين حتى ينالوا «ما يطلبون»، وما يطلبون قد يكون إما الانضمام لروسيا وإما تشكيل دولة جديدة، وفي كل الأحوال يبدو أن الخريطة الجغرافية والسياسية المعروفة لدولة أوكرانيا ستتغير.

هناك خرائط جغرافية جديدة مرشحة للتطوير وخصوصا في العالم العربي؛ العراق الذي يشهد ولادة قيصرية لكيان موحد منذ سقوط صدام حسين، وها هي ملامح دولة كردستان تظهر واستقلالها يكاد يعلن بعد حصول قناعة وقبول عالمي متزايد لهذا الواقع، وإذا ما تم الإعلان عن ذلك الأمر لن يكون الأمر بعيدا عن إعلان دولتين جديدتين واحدة للسنة والأخرى للشيعة، كما يتم التبادل عنه والحديث غير المتوقف عن ذلك الأمر. والحديث عن العراق لا بد أن يفتح المجال للحديث عن التقسيم الوارد جدا في سوريا، وخصوصا في ظل الوجود المريب للتنظيم الإرهابي «داعش» في مواقع سورية وعراقية قد تستدعي حدودا آمنة جديدة.

وطبعا الحديث يأخذنا إلى مربع آخر للرعب والانفلات الأمني في اليمن، فالبلد تكاد الخلافات السياسية والاضطرابات الأمنية تعصف به تماما، كل ذلك كان نتاج الأطماع الانفصالية الواضحة الملامح لأطراف تتصارع في مناطق مختلفة باليمن. الحوثيون هم الفريق الأبرز ولكنهم ليسوا وحدهم، فهناك أيضا الحراك الجنوبي الفعال والمؤثر، وإلى حد أقل هناك أيضا الحراك الحاصل في عدن والذي يرغب في «الاستقلال» هو الآخر.

ولا يمكن الحديث عن التقسيم والاستقلال دون النظر إلى الشأن الليبي وما يحصل هناك من اقتتال مجنون بين القبائل والفصائل الإرهابية يجعل المشهد الليبي أشبه بصالة في مصحة نفسية كبيرة جدا، وبالتالي من الممكن أن تصدق الترشيحات والتوقعات التي تقول إن ليبيا مهددة لأن تتحول إلى ثلاث دول بين الأطراف المتصارعة هناك.

الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وسقوط الاتحاد السوفياتي كانت مراحل مهمة ونقلات نوعية في الخريطة السياسية العالمية، وكان الأثر واضحا جدا في القارة العجوز عندما تشكلت دول وأعيد تشكيلها مرات ومرات، مثل تشيكوسلوفاكيا والنمسا والمجر ويوغوسلافيا وتحديدا صربيا التي تعتقد أن العالم تآمر عليها مرات ومرات متتالية. وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي تعتقد أن الغرب يتآمر عليها لتحريك القوى العرقية والاثنية في مناطقها لتحريضها على الاستقلال عنها وبالتالي إضعافها بشكل واضح ومؤثر.

منذ سقوط الدولة العثمانية والعرب بشكل عام يكررون أنهم دوما أمام مخططات لتقسيم بلادهم، مثلما حصل وقتها في اتفاقية سايكس بيكو المعروفة بين وزيري الخارجية في كل من بريطانيا وفرنسا والتي تسببت في خروج دول جديدة بالمنطقة مثل لبنان وإسرائيل والأردن وغير ذلك. ولكن الأهم أن الدول «الجديدة»، سواء أكانت ذات طابع عرقي أو ديني أو مذهبي، لا تخرج في مطالبات الظهور إلا في حالة وجود الإحساس بالنقص والظلم وفشل نموذج الدولة العصرية في منح كافة أبنائها الإحساس العادل بالانتماء السوي لكافة أبنائها وأنهم كلهم لديهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، متى ما توفر ذلك سيكون هذا أكبر «دواء» لكافة أعراض التقسيم بكافة أشكاله وأنواعه. ومن دون ذلك سيبقى هاجس التغيير في الخرائط الجغرافية قائما وموجودا.

التعليقات