كتاب 11
الدبلوماسية السعودية ودورها الجديد
الدبلوماسية السعودية تحولت مع مرور الوقت الطويل على تأسيسها إلى مؤسسة سياسية مرموقة، تنقل الصورة المهمة للمملكة العربية السعودية للمجتمع الدولي، وتبني جسور التواصل مع الدول والشعوب والثقافات المختلفة حول العالم. ومع كبر ونمو ثقل المملكة العربية السعودية في الساحة الدولية وزيادة أهمية الوزن الاقتصادي والسياسي لها، زادت أهمية الدور الدبلوماسي وبعثاتها، وزادت المتطلبات لفتح المزيد من السفارات والقنصليات الدبلوماسية في مواقع جديدة حول العالم الفسيح؛ منها مناطق كانت تخدم من مواقع أخرى، ومنها مواقع كانت تحت ظروف سياسية صعبة مثل دويلات تحررت بعد سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي في آسيا وأوروبا، أو دول نالت استقلالها، فكانت المهمات تتنوع ما بين فتح العلاقات الدبلوماسية لأول مرة أو إعادة تنشيطها بصورة مركزة ومباشرة أكثر فعالية.
واليوم، السعودية بات حضورها الدبلوماسي يليق بمكانتها المهمة كقبلة العالم الإسلامي وأكبر منتج بترولي وأحد أهم الاقتصادات الناشئة وأكبر سوق في الشرق الأوسط، وبالتالي كان لهذا الانفتاح دور مهم في فتح أسواق وآفاق تجارية واقتصادية واستثمارية جديدة، وكذلك كان هذا الأمر فرصة لانفتاح السعوديين العاشقين للسفر والسياحة على وجهات جديدة أدت إلى تكوين صداقات واستثمارات شخصية مختلفة.
كما تم إدراج هذه الدول ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، الذي شمل دولا كثيرة جديدة لم يكن من الممكن أن يتخيل الطلبة السعوديون إرسالهم للدراسة فيها، ولكن كل ذلك جزء من خطة ورؤية استراتيجية لانفتاح السعودية وشعبها على دول العالم، والنهل من ثقافات وحضارات الأمم الأخرى، ولكسر حواجز الخوف والقلق، وبالتالي الحد من إمكانية نمو الأفكار المتطرفة المحتملة. وكان التحدي الدبلوماسي في هذه الظروف «الجديدة» والعالم المتغير والمحاط بالعديد من التحديات والتطورات كبيرا، والسعوديون في تمثيلهم الدبلوماسي أبلوا بالعموم بلاء حسنا؛ وذلك يبدو في حضورهم الجديد في دول آسيا الوسطى بجمهورياتها الإسلامية الجديدة، وفي دول أميركا الجنوبية التي لم يكن لهم فيها وجود من الأساس، ودول أوروبا الاسكندينافية، ودول أفريقيا التي كان الوجود الدبلوماسي فيها محدودا، وطبعا دول أوروبا الشرقية.
ولعل أحد أهم وأبرز الأمثلة على نجاح الدبلوماسية السعودية في دورها الجديد بشكل هادئ ومميز وفعال هو ما يقوم به السفير السعودي لدى جمهورية التشيك عبد الله بن عبد العزيز آل الشيخ، الذي يقوم بدور مهم في بناء جسور العلاقات السياسية والاقتصادية بين بلاده والدول التي يعمل فيها، فتحسنت أطر العلاقة في العديد من المجالات، منها الاقتصادي الذي نما بشكل مدهش ومهم، وكذلك الأمر بالنسبة للتبادل الاستثماري، وتطور الموضوع إلى توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الصحة والضرائب والاستثمار والطيران، معززا مناخ التعامل الاقتصادي بين البلدين، كما حدثت طفرة في السفر إلى جمهورية التشيك من قبل السعوديين بأعداد قياسية في فترة زمنية قصيرة، منها ما كان لأغراض السياحة العلاجية، ومنها للزيارات العائلية. كذلك تحتضن براغ جالية مهمة من الطلبة السعوديين الذين يدرسون في جامعات التشيك المهمة التي تحتوي على أقدم كلية طب في القارة الأوروبية كلها. ويدرس السعوديون هناك الطب والهندسة وإدارة الأعمال وغيرها من المجالات التي تتميز بها جامعات وكليات ومعاهد الجمهورية التشيكية.
ويقوم السفير السعودي بجهد استثنائي لا يمكن إنكاره استحق عليه الثناء العظيم من الحكومة التشيكية ومن القطاع الخاص السعودي ومن القطاع الخاص التشيكي ومن الطلبة الموجودين هناك، مطبقا بذلك حذافير دوره المنشود والمأمول والمطلوب، وعاكسا صورة مشرفة لبلاده ودبلوماسيتها. إنها واجهة حضارية عصرية للدبلوماسية السعودية الجديدة يمثلها ما يقوم به الثقل السعودي المطلوب بحكمة وهدوء وعقلانية ورزانة.
الدبلوماسية السعودية أصبح الدور المطلوب منها اليوم مختلفا تماما عن السابق، ليتوافق مع المتغيرات التي حصلت في العالم، ومع التوقعات المطلوبة من السعودية.