مصر الكبرى
«المحكمة الدستورية» تعترض على وضعها في الدستور الجديد وتعتبره «ردة للوراء»
تزايدت مساحة الرفض لأعمال الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد في مصر أمس، بعد إعلان طرح المسودة الأولية للحوار المجتمعي. وبينما أعلنت المحكمة الدستورية العليا رسميا أمس رفضها لوضعها في الدستور، تنظر محكمة القضاء الإداري 43 دعوى قضائية تطالب بحل الجمعية التي يسيطر عليها منتمون لتيار الإسلام السياسي.
وأعلن ممثلو حزب النور السلفي في الجمعية التأسيسية رفضهم للصياغة الأولية للدستور، واتهموا جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة»، بالتلاعب في صياغة بعض المواد التي تم الاتفاق عليها في اجتماعات لجان الجمعية التأسيسية طوال الشهور الماضية.
ودخلت المحكمة الدستورية العليا على طريق الهيئات القضائية الأخرى الرافضة لأعمال الجمعية التأسيسية، وعقد رئيس المحكمة الدستورية المستشار ماهر البحيري مؤتمرا صحافيا أمس لإعلان رفضه لوضع المحكمة في الدستور الجديد، وقال: «هذه ردة للوراء وانتهاك صارخ لسلطة المحكمة وسلب لاختصاصاتها، وتسمح بتدخل السلطات المختلفة في شؤون المحكمة بما يهدر مكتسبات المحكمة الدستورية»، معلنا استمرار انعقاد الجمعية العمومية للمحكمة بشكل دائم لحين تعديل النصوص المقترحة بها في الدستور الجديد.
وقال رئيس المحكمة إنهم فوجئوا بأن النصوص المنظمة لعمل المحكمة جاءت على خلاف مما اقترحته، وعلى نحو يؤدي إلى عدم تمتعها بالاستقلال الذي يلزم لأداء دورها، وكذا سلب اختصاصات جوهرية منها لا غنى عنها، موضحا أن محل الاعتراض يتعلق بأن المحكمة الدستورية العليا تعد هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، ومؤدى ذلك أن يكون موضعها في الدستور بعيدا عن سلطات الدولة المختلفة، وأن لا تكون جزءا من أي سلطات منها، بما فيها السلطة القضائية، ضمانا للحيدة المطلقة لها، وحتى تكون أحكامها في دستورية القوانين واللوائح ملزمة للكل ولجميع سلطات الدولة، غير أن النصوص المقترحة من الوثيقة الدستورية أوردت النصوص المنظمة للمحكمة كفرع من مشروع السلطة القضائية.
وأضاف أن النص الثاني محل الاعتراض يتعلق باختصاصات وتضمن أن المحكمة الدستورية العليا لا تختص بالفصل في الدعوى الموضوعية، وهو ما لم يقل به أحد، ولم تدع المحكمة الدستورية يوما أنها تختص به، معتبرا أن إيراد هذا النص في الوثيقة يعد أمر يتنزه عنه المشرع الدستوري بالضرورة، فضلا عن خلو النص من 3 اختصاصات رئيسية، هي الفصل في تناقض الأحكام النهائية، ومنازعات التنفيذ الخاصة بأحكام المحكمة الدستورية وطلبات أعضائها.
وتابع أن «النص الخاص بتعيين أعضاء المحكمة أعطى لرئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة بما يشكل ردة غير مسبوقة عن مبدأ استقلال هذه المحكمة واختيار قضاتها»، معتبرا أن هذا النص يمثل تسليطا لإحدى سلطات الدولة على سلطة أخرى.
وأضاف بيان صادر عن المحكمة أنه لوحظ أن هذا النص قد أناط بالجمعيات العمومية لمحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف سلطة اختيار أعضاء المحكمة، مما يعد تسليطا لهيئة قضائية على المحكمة الدستورية العليا في الوقت الذي لا تتدخل فيه المحكمة الدستورية في تشكيل هيئة محكمة النقض أو مجلس الدولة أو محاكم الاستئناف، كما أن هذا النص حرم هيئتين قضائيتين، وهما هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، من حق أعضائها في الترشح للتعيين بهذه المحكمة، فضلا عن حرمان أساتذة الجامعات والمحامين من هذا الحق.
من جانبه، قال المستشار ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، إنه بدا واضحا وجليا منذ اليوم الأول لعمل الجمعية التأسيسية، أن البعض داخل الجمعية وخارجها، يسعى لتصفية حسابات قديمة والانتقام من المحكمة تحقيقا لمصالح خاصة، على الرغم من سابق تأكيد المحكمة أنها ليست في خصومة مع أحد.
وأوضح أنه منذ بداية تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، آثرت المحكمة الاعتذار عن عدم الاشتراك في عضويتها، نظرا لما أثير من ظلال كثيفة حول تشكيلها والشك في سلامة الإجراءات، وما نشره التشكيل من غبار قاتم في المجتمع، مضيفا أن العوار الدستوري في القوانين لا يظهر إلا بعد تطبيقها والعمل بها، وأن مسودة الدستور المقترح في تطبيقها ستغل يد السلطة القضائية وتمنعها إجراء أي تعديل على أي عوار دستوري في القوانين.
وشدد على أن المحكمة تدافع عن الشعب المصري وحرياته وحقوقه، ومسيرة النضال الكبيرة والطويلة لإعلاء مبدأ الشرعية، مطالبا الشعب المصري بسرعة التدخل للدفاع عن حقوقه من خلال مطالبة التأسيسية بإعادة صياغة تلك النصوص التي يكتنفها العوار، وأن المحكمة لن تلجأ لأي قوى سياسية للضغط من أجل مطالبها، باعتبار أن الشعب المصري برمته هو الملجأ.
وأشار إلى أن المحكمة الدستورية العليا أرسلت للجمعية التأسيسية عدة مذكرات حول نصوص الدستور الجديد لتعديلها، لكنها قوبلت بالرفض الكامل من جانب لجان الجمعية، وفشل المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية في إيصال وجهة نظرنا لأعضاء الجمعية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي اعترض فيه حزب النور السلفي على صياغة المسودة الأولى، وقال يونس مخيون عضو الهيئة العليا لحزب النور إن المسودة الأولى لا تمثل ما يدور في الجمعية، ولكن هدفها تعريف المواطنين ببعض ما يدور في الجمعية التأسيسية، مضيفا أن لديهم تحفظات كثيرة على لجنة الصياغة في بعض الأبواب، حيث لاحظوا تغييرات في باب الحقوق والحريات مثلا، فبعد اتفاق جميع أعضاء لجنة الحقوق والحريات على إضافة نص في مقدمة الباب يؤكد على «أن يكون جميع مواد هذا الباب لا تتعارض مع قيم المجتمع بوجعه عام»، إلا أنهم فوجئوا بحذفها.
وقال إنه تم الاتفاق على بعض الصياغات في باب المقومات الأساسية مع جماعة الإخوان، مثل نص المادة الثانية من الدستور لتنص على أحكام الشريعة الإسلامية، لكنهم فوجئوا بموقف «الإخوان» بالإبقاء على النص كما هو لتكون مبادئ الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أنهم قدموا نصا إضافيا لتفسير كلمة مبادئ وهو «الأدلة الكلية والقواعد الأصولية والفقهية ومصادرها على ضوء مذهب أهل السنة والجماعة».
وقال ما زالت هناك نقاط خلافية تتعلق بالمرأة سيجرون حولها نقاشا بين الأحزاب السياسية المختلفة، للوصول لنقاط اتفاق بشأنها.