مصر الكبرى
الجيش والشعب .. والخروج من مأزق الصدام
فى اعقاب هزيمة يونيو ١٩٦٧ التى روعت مصر كلها وصدمت الشعب المصرى فى جيشه صدمة عنيفة بعد سنوات نجح خلالها نظام عبد الناصر فى خلق صورة انطباعية لدى الشعب بانه يمتلك واحدا من أقوى جيوش المنطقة ان لم يكن أقواها " يمكن العودة الى لافتات مثل .. "ألجيش المصرى اكبر قوة مسلحة فى الشرق الاوسط " ومشروعات صواريخ القاهر والظافر والاستعراضات العسكرية وإرسال وحدات الجيش الى اليمن والعراق والجزائر والكونغو وغيرها وتصوير ذلك وكأن مصر قادرة على الوصول بجيشها الى كل أرجاء المنطقة ، ثم وفى ستة أيام يتعرض ذلك الجيش الى تلك الهزيمة العسكرية وتحتل اسرائيل ( المزعومة ) شبه جزيرة سيناء ويسبح جنودها فى مياه القناة !
وحدثت الفجوة والجفوة بين الشعب والجيش وانقلبت الصورة رأسا على عقب ،أدرك الجيش خطورة الفجوة التى حدثت بينه وبين الشعب وشرع على الفور فى دأب واصرار وصبر وصمت أيضاً يعمل على محورين فى وقت واحد الاول اعادة تنظيم وبناء القوات المسلحة على أسس احترافية ومهنية خالصة والمحور الثانى الاعداد والاستعداد لحرب تحرير الارض واستعادة الكرامة ليس العسكرية فقط ولكن أيضاً الكرامة الوطنية وتفرغ الجيش تماماً لتلك المهام الأصيلة للجيش الوطنى وبدأ فور تماسكه فى شن حرب الاستنزاف ضد العدو المحتل تلك الحرب التى طالت على مدى ١٠٠٠ يوم والتى أكدت للمقاتلين قدرتهم على مواجهة العدو وهزيمته ثم كانت حرب اكتوبر ٧٣ وما حققته القوات المسلحة من انتصارات عسكرية فى ساحة القتال هى المصالحة الحقيقية بين الشعب والجيش الذى اصبح محل اعتزاز كل مواطن مصرى ، ودارت عجلة الزمن دورتها وجرت فى النهر مياه كثيرة اختفت بالطبع من مانشتات الصحف ووسائل الاعلام أنباء المعارك والبطولات والانتصارات وحلت محلها اخبار اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات الخاصة بالتفاوض من اجل تحقيق السلام والتى انتهت بإنهاء حالة الحرب وعقد معاهدة سلام مع اسرائيل ، كل هذا لم يؤثر على قدر ومكانة الجيش فى نفوس المصريين ، وقد دفع السادات بذكاء بامكانيات الجيش الضخمة للمساهمة فى اعادة اقامة البنية الاساسية التى انعكست على الناس مباشرة ورفع شعار جذاب هو " يد تبنى ويد تحمل السلاح " وعرف الناس وجها جديدا للجيش رحبوا به فى البداية وأضاف الى رصيد الجيش لديهم وبدأ التركيز على انجازات الجيش المدنية والمشروعات العملاقة وتوارى الحديث عن الجانب العسكرى عدا احتفالات اكتوبر واستعادة الذكريات ثم اختزال الامر فى الضربة الجوية ! وبقى الجيش عموما خارج دائرة النقاش العام بالتركيز على إنجاز اكتوبر ، حتى وقعت الواقعة وانفجرت ثورة الشعب فى ٢٥ يناير ضد النظام  وتداعت أحداثها بسرعة ونزل الجيش الى الشارع مساء الجمعة الدامية واعلن انه لم ولن يستخدم القوة ضد الشعب ولم يستخدمها بالفعل رغم التساؤلات حول موقفه يوم ٢ فبراير خلال موقعة الجمل والذى قطعا سيكون محل بحث ودراسة فى وقت لاحق عندما ينقشع الغبار عن حقائق ما جرى خلال تلك الايام التى لن تمحى من ذاكرة التاريخ ، ثم جاء اليوم الفصل فى ١١ فبراير وانخلع مبارك عبر البيان القصير الذى القاه نائبه وتضمن عبارة ..قرر الرئيس.. تخليه عن منصب رئيس الجمهورية.. وتكليف المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد !! وعمت الفرحة بانخلاع مبارك باعتباره الإنجاز الاكبر لقوى الثورة ولم يتوقف الثوار  كثيرا امام تكليف العسكرى باستلام السلطة المطلقة !! ومنذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا جرت فى النهر مياه كثيرة كما سالت دماء طاهرة كثيرة وتبدلت صورة الجيش المتمثلة فى هتاف .. الجيش والشعب ايد واحدة ..الى هتاف.. يسقط يسقط حكم العسكر !! ووصل الامر فى مرات متعددة الى حد الصدام المباشر كان ابرزهااحداث العباسية الاخيرة  وهنا مكمن الخطر الحقيقى الذى يجب ان نتوقف عنده ولا يجب ان نسمح به تحت أى ظروف ، الجيش المصرى جذئ من نسيج الشعب المصرى وملك له ومهمته المقدسة الدفاع عن الوطن وسيادته على ترابه الوطنى برا وبحرا وجوا ، اما التعامل مع أى احداث او اضطرابات شعبية او حتى تجاوزات من قبل افراد او مجموعات او حركات مدنية أيا كانت فالمسئول عن التعامل معها وفى اطار القانون هى الشرطة المدنية ووزارة الداخلية ولابد ان يبتعد الجيش وينأى بنفسه ورجاله عن أى احتكاك مع عناصر مدنية من ابناء الشعب تحت أى ظروف ومهما كان المبرر ، والا فسنكون جميعا نلعب بالنار والتى ستحرق الوطن يوما كما حرقته فى الخامس من يونيو ١٩٦٧ ….. أفيقوا يرحمكم الله ..