ثقافة

09:29 صباحًا EEST

السيارتان

جاء في امتحان الفصحى بالجامعة الأمريكية: اكتب مقالا عنوانه السيارتان فكان الجواب:

 

ثورة بكل المقاييس أحدثها ذلك الاختراع العجيب، السيارة، ثورة كم وكيف. 

 

هذه الآلة الساحرة اختصرت الزمان وقربت المكان. ترى الناس أفواجا يتنقلون من بلد إلى أخرى، لا يؤذيهم حر الصيف ولازمهرير الشتاء، وكأن الكون قد خلق مصغرا في هذا الكائن السيار العجيب

وكائن ترى من صامت لك معجب”

زيادته أو نقصه في التنقل”

لقد اتسع مفهوم السيارة وتعدى أن يكون مجرد وسيلة نقل إلى بيوت متنقلة، 

ألسنا نعيش عصرا انكمش فيه الزمان والمكان. إن الحديث عن السيارة ذو 

شجون، أي يتذكر به غيره، فالتقنيات الحديثة جعلت السيارة طائرة على 

الأرض، وما أنا بقائل هذا من سبيل المجاز. إن السرعة الفائقة التي بلغتها 

سيارات هذا العصر قد تجعل من اليسير بلوغ مقصدك أسرع من الطائرة في بعض 

الأحيان، إذ إنك مستغن عن الإقلاع والهبوط حال استقلالك السيارة

إن الحديث عن السيارة قد يكون منتهى الحديث في العصر الحديث، فيا أيتها 

السيارة, سيري بي إلى حيث شئت من مواطن الجمال وفنون القول، فإن بزوغك 

وتطورك لسجل حافل بالمعجزات، إنه تاريخ نسيج وحده، لا، بل هو تاريخ سطره 

المخترعون والمطورون والصانعون حتى الراكبون.

ليس بوسع كاتب أو أديب أن يتناول السيارة من غير أن يستعرض أثرها في حياة 

من صنعت لهم. نحن، بني آدم، مولعون بالسفر، ومن قبل لم يتضح لنا هذا 

الولع, إذ كان السفر في غابر الزمن ضربا من ضروب المغامرة، وكان الإقدام 

عليه لونا من ألوان الشجاعة، ناهيك أن يكون من باب الترفيه.

إننا اليوم نقطع في ساعات مالم يقطعه أسلافنا في شهور، بل أقول غير مبالغ 

في سنين. هذا الشغف بالترحال هو الذي أسرع من خطى التقدم، فإذا نحن في 

عصر السيارة، بل إننا نطلق أقمارا تحاكي الكواكب السيارة، وقد تبادرني 

بهذا السؤال: ما صلة الكواكب السيارة بالسيارة المنوطة بسطح الأرض؟ أليس 

هذا استطرادا لا داعي له؟ وأرد عليك بملء فيّ: كلا، إن الجرمين في فلك 

واحد، فلك الطموح، فلك السمو إلى سماوات المجهول.

إن الحديث عن السيارة “مثل اسمه أبدا حديث” ومن غير العسير أن نترك 

المسير ليطول ويطول، بيد أن البلاغة الإيجاز. فأقول إن السيارة وحياتنا 

يلتقيان في أمر هو أوضح من الجلاء، إنهما يلتقيان في السعي إلى الحرية، 

فالنفس الحرة أو الروح الطليقة تنطلق بالسيارة لتبحث هنا وهناك عن سبيل 

يحررها، نبحث في الأرض، “وفي الأرض طرق جمة ومنافع” وأعود الآن من هذا 

التطواف إلى أرض الواقع لأعرض بمخاطر السيارة من غير إطناب، وما أعظم 

شوقي إذ يقول:

وأفّ على العلم الذي تدعونه

إذا كان في علم النفوس رداها

 

التعليقات