كتاب 11
وصفة للتواصل الاستراتيجى مع العالم
فى تنصيب الرئيس لا نستطيع كمواطنين أن نقدم له هدايا لنعبر عن فرحتنا وتمنياتنا له بالنجاح، ومع ذلك هذه هديتى للرئيس الجديد عبدالفتاح السيسى
استجابة لطلبه بأن نشاركه كمواطنين بما نعرف وما نستطيع ان نعين به الوطن فى لحظة بالغة الدقة. مشاركتى هذه التى لا ابتغى منها إلا وجه الله والوطن هى تصور عملى لبناء وحدة للتواصل الاستراتيجى مع العالم لإعادة تشكيل صورة مصر فى العالم بما يليق بمصر وبثوراتها وبرئيسنا الجديد. نقطة ارتكاز وانطلاقة التوجه الاستراتيجى الجديد لتغيير رؤية العالم لما يحدث فى مصر هى بناء معمار استراتيجى جديد للدبلوماسية العامة، مرتبط مباشرة برئاسة الجمههورية أو مجلس الامن القومي، أو الأجهزة الثلاثة السابقة مجتمعة يديره شخص ذو كفاءة عالية بدرجة وزير أو مستشار يحظى باحترام داخلى وخارجى للقيام بهذه المهمة الصعبة فى ظروف استثنائية. هذا البناء المعمارى الجديد للدبلوماسية العامة هو ما أسميه ـ لعدم وجود صيغة بيروقراطية قائمة ـ وحدة التواصل الاستراتيجى العالمي.
ولكى تتحقق النجاحات المرجوة من وحدة التواصل الاستراتيجى هذه فى عهد الرئيس الجديد لابد أن تكون استراتيجية عمل الوحدة متوافقة مع حركة جغرافيا الأفكار العالمية التى تشكل صورة مصر فى الخارج فى ثلاثة مدارات فكرية تشبه مدارات الاقمار الصناعية. هذه المدارات الثلاثة هي: «المدار الفرانكفونى . المدار الانجلوفونى . المدار الامريكي».
تحديد هذه المدارات والدوائر بالنسبة لحركة الأفكار لرسم صورة مصر الجديدة هو المفهوم الحاكم لعمل وحدة التواصل الاستراتيجى بشكل عملياتى وتنظيمى محدد وصارم. فعندما نقول المدار الفرانكفونى يعنى ان نقطة الانطلاق فى العمل لتغيير الصورة فى هذا السياق هى مدينة باريس التى يغطى إشعاعها الثقافى مساحة تمتد من السنغال حتى جزر الكاريبى . اما العالم الانجلوفوني، أو المتحدث بالانجليزية، بمعنى مستعمرات بريطانيا السابقة، فتكون مركزيته العملياتية فى مدينة لندن، حيث تدور حركة الأفكار من لندن الى الهند وباكستان والمستعمرات البريطانية السابقة. أما المدار الثالث فهو المدار الامريكى لحركة الأفكار وتشكيل الصورة . هذا المدار الثالث هو المدار الحاكم والأعلي، حيث تكون واشنطن مركزه، وهذا مدار عالمى يؤثر على باريس ولندن وبقية العواصم العالمية بما فيها حتى العواصم العربية التى تشكل واشنطن أفكارها وأخبارها من خلال الوكالات الصحفية المهيمنة. ولكيلا تقع مصر السيسى فى تكرار الأخطاء السابقة، لابد من تجنب التصور المختزل للعالم عندما نتحدث عن صورة مصر فى العالم، حيث نركز على الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ونتجاهل بقية العالم، فرغم أن هذه المدارات الثلاثة تغطى إفريقيا وآسيا كمستعمرات سابقة لبريطانيا وفرنسا، إلا أنه لكى يكتمل هذا التصور العالمى لا بد من وجود وحدات عمل فى روسيا والصين. فالهدف هنا هو أشمل من أمريكا وأوروبا، وهو التأثير وتغيير صورة مصر ومكانتها فى العالم.
صورة مصر الجديدة وتسويقها مثلها مثل تسويق اى منتج يحتاج الى أربعة أمور أساسية : الأول صياغة الرسالة الإعلامية بصورها المتجددة التى يشارك فى رسمها القيادات والمسوقون والمشرف على وحدة التواصل الاستراتيجي. والثانى الإلمام الكامل والوافى بمميزات المنتج المطلوب تسويقه، وهو فى حالتنا صورة مصر بعد 3 يوليو بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية والسياحية والثقافية. وكذلك صورة مصر بعد تنفيذها استحقاقيين من استحقاقات خريطة المستقبل، وآخرها نقل السلطة من رئيس مؤقت الى رئيس منتخب. والثالث اختيار من اطلق عليهم مجازا مسمى عملاء التسويق بانتقائية تامة تحكمها معايير الكفاءة والقدرة والمصداقية العالية والقبول فى الوحدة الفرعية للعمل فى لندن وباريس وواشنطن وموسكو وبكين وجوهانسبرج. والرابع الإلمام بالسوق التى سيسوق فيها المنتج.
ولكى ينجح تصورى لوحدة التواصل العالمى لابد من التوقف عند أربعة عناصر أساسية هى وصفة النجاح:
اولا: صياغة الرسالة الاعلامية.. لابد وان تعكس تصورا استراتيجيا لمصالح مصر العليا مستندة إلى شرعية المرحلة الجديدة وخريطة المستقبل التى تعد بمثابة الجسر الذى ستمر عليه مصر من المرحلة الانتقالية الى شرعية الدستور والمؤسسات المنبثقة عن هذا الدستور الجديد. ويجب ان تصاغ هذه الرسالة بناء على توافق مؤسسى داخلى فى دولاب الدولة بين المؤسسات المختلفة وتنسيق يجعل الرسالة فى جوهرها واحدة، ولكنها تتجلى فى صور شتى من خلال المؤسسات المختلفة. هذا يحتاج الى اكثر من ورشة عمل للوصول الى الصياغة الأساسية وعدة صياغات منافسة وبديلة تكون جاهزة حال فشل الصيغة الأولى فى اختبار السوق والجمهور المستهدف.
ثانيا: دراسة السوق المستهدفة .. قبل طرح هذه الرسالة فى الاسواق المستهدفة مثل لندن وباريس وواشنطن، لابد من دراسة السوق وإطلاقها بشكل تجريبى مع جماعات منتقاة بشكل علمى فى المدارات الثلاثة المقترحة.
ثالثا: متابعة وقياس التغيرات فى الرأى العام فى الدولة المستهدفة من خلال وحدة قياس فرعية داخل وحدة التواصل الاستراتيجي.
رابعا: تمويل وحدة التواصل الاستراتيجى .. يقترح ان تكون تمويل هذه الوحدة من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص، فصورة الوطن ليست مسئولية مؤسسات الدولة فقط وإنما هى شراكة وطنية.
أما الأدوات فهى الاستخدام الاستراتيجى للثورة المعلوماتية من خلال توفير قاعدة معلومات باللغات المختلفة عن مصر حكومة وشعبا، مستقاة من خلال ماهو موجود بالفعل وتطويره وتفعيله بطريقة تجعل الكتابة عن مصر فى الصحافة والإعلام الغربى مبنية على المعلومات الصادرة من مصر لا من غيرها. إنشاء وحدة التواصل الاستراتيجى المركزية فى القاهرة ويفضل ان تكون مرتبطة بالرئاسة لضمان الانضباط والجدية فى العمل وكذلك القياس والمتابعة، وتكون الوحدة بثلاث اذرع رئيسية فى واشنطن ولندن وباريس على وجه التخصيص. تتكون الوحدة من ستة أفراد من الشباب من ذوى الكفاءات العالية فى اللغات والدراية بالتواصل الاستراتيجى فى المدارات الموصوفة آنفا، اى واشنطن وباريس ولندن.
التركيز على الأدوات الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعى والجيوش الإلكترونية التى أثبتت نجاحا فى تحقيق اختراقات إعلامية . وإنشاء مركز لدراسات مصر والعالم ينطلق من القاهرة، الذى يكون واجهة هدفها الرئيسى ليس البحث، وانما تنسيق حملة علاقات عامة من نوع مختلف وعلى مستوى عال بمعايير عالمية من خلال مؤتمرات وبرامج تهدف الى زيادة الشراكة الاستراتيجية العالمية مع مصر. على سبيل المثال، استخدام يوم محدد مثل انطلاقة بناء السد العالى أو يوم التشغيل (أيا كان اليوم)، وتتم دعوة بعض السياسيين الروس والمصريين لمؤتمر فى أسوان – هذا النوع من المؤتمرات له قيمة فى التواصل الاستراتيجى الداخلي، حيث التشبيك مع شعبية جمال عبدالناصر والسد، وله قيمة خارجية للتواصل مع روسيا، يحدث ذلك أيضا فى اختيار مؤتمرات لها علاقة بالهند وعلاقة بفرنسا وبريطانيا وأمريكا .اى صناعة ومسرحة أحداث داخلية تغذى قيم الوطنية فى الداخل وتؤدى خدمة تواصل استراتيجى مع الخارج.
الهدف من هذه الوحدة هو تعظيم الشراكات العالمية وإيجاد حالة من الاشتباك العاطفى يجعل مستقبل مصر واستقرارها جزءا من همومهم الطبيعية. توسيع الشراكات القائمة وإضافة شراكات جديدة حريصة على مستقبل مصر، يوجد حزاما أخلاقيا وسياسيا يحمى مصر من هزات الأزمات السياسية والمطبات التى قد تتعرض لها مصر فى العهد الجديد. وفى النهاية تخوفى الأخير هو ألا تصل الهدية للرئيس وتقع فى يد من يتاجر بهذه الوصفة الجادة أنصاف الموهوبين من بهلوانات كل زفة وكل فرح، فتصبح مشروعهم وتفشل فى أول اختبار لانها ليست مصممة للبهلوانات.