كتاب 11
ما لا أتخيله فى أى سلفى!
هذه حكاية أهديها إلى حزب النور.. فمما يرويه أصدقاء القديس توما الأكوينى عنه، أنه كان جالساً، ذات يوم، مع صديق له، فى غرفة تطل على فضاء واسع، فإذا بالصديق يقوم من مكانه، إلى نافذة الغرفة، ثم يتطلع منها إلى شىء بدا أنه أدهشه للغاية!
ولم يشأ الصديق أن تأخذه الدهشة، وحده، وإنما راح يدعو «توما» إلى أن يسرع، وإلى أن يأتى فوراً إلى النافذة، لعله يرى ما يراه هو!
سأل «توما»، وكان لايزال فى مكانه، عما يدعوه صديقه إليه بهذه اللهفة، وكان رد الصديق أنه يرى، لأول مرة، بقرة تطير فى السماء!
وقد كان «توما» يثق فى صديقه تماماً، ولذلك لم يشك لحظة واحدة فى أنه سوف يرى، عندما يتطلع من النافذة، بقرة تطير فعلاً.. إنه – كما نعرف – قديس، كما أنه يثق فى الناس جميعاً، بمن فيهم طبعاً صديقه إياه، إلى أن يثبت العكس!
قام القديس من مكانه بحماس، واتجه إلى نافذة الغرفة، على أمل أن يرى ما لم يحدث أن رآه من قبل، وحين أطل من هناك، وراح يفتش فى أنحاء الفضاء، لم يقع على شىء مما دعاه إليه الصديق، فنظر إليه فى دهشة، وسأله فى براءة بالغة: أين يا صديقى البقرة التى تطير؟!
تطلع إليه الصديق، وهو يضحك ضحكة لها معنى، ثم يرد عليه فيما يشبه الاستخفاف: وهل تصدق، يا أخى القديس، أن بقرة فى الدنيا كلها يمكن أن تطير؟!
وفى لحظة، انسحب «توما» عائداً إلى مكانه فى الغرفة، وهو يردد فى أسى: والله، إنى أتخيل بقرة تطير أمام عينى، ولا أتخيل أبداً رجلاً يكذب!
إنها حكاية طافت فى ذهنى عندما قرأت أن حزب النور يطالب المرشح عبدالفتاح السيسى، بعد ظهور مؤشرات أولية عن انتخابات الرئاسة، بأن يعلن عزمه محاربة الفساد، والانحياز إلى الفقراء!
ولقد سألت نفسى: بأى وجه بالضبط، وأكاد أقول بأى حق، يطلب «النور» هذا الطلب من الرئيس المحتمل؟!
إننى أفهم أن يكون طلب من هذا النوع منطقياً، ومتسقاً مع نفسه، إذا ما كان الذى يطلبه صادقاً مع الناس، قبل أن يكون صادقاً مع ذاته.. أفهم هذا، وأتفهمه، وأقف إلى جواره، فى هذه الحالة فقط!
أما أن تخرج قيادات حزب النور قبل انتخابات الرئاسة، وتعلن دعمها المشير، فى الانتخابات، ثم نفاجأ على مدى ثلاثة أيام بأن سلفياً واحداً من أعضاء الحزب لم يذهب إلى الصندوق، وأن جميع السلفيين الذين يقال إنهم أكثر عدداً من الإخوان قد قاطعوا، فليس لهذا معنى سوى أننا أمام ناس تكذب كذباً صريحاً، وتقول لنا كلاماً، ثم تفعل عكسه باستمرار!
وأقول «باستمرار» لأن هذه ليست المرة الأولى، بكل أسف، فمن قبل فعلوها بالصورة نفسها، مرتين: مرة فى أثناء صياغة خريطة المستقبل، يوم 3 يوليو الماضى، عندما كانت قياداتهم تجلس مع الأزهر، والكنيسة، والشباب، والأحزاب، ليصوغوا ملامح الخريطة، بينما كان السلفيون فى عمومهم يساندون الإخوان الإرهابيين فى رابعة!
ومرة ثانية عندما شاركوا فى صياغة دستور 2014، وأقروا بما فيه، وتوافقوا مع الآخرين حوله، فلما حانت لحظة الاستفتاء عليه، يومى 14 و15 يناير الماضى، لم يخرج سلفى واحد يشارك فى الاستفتاء.
حدث هذا منهم ثلاث مرات كاملة، مع أنهم سلفيون، أى أنهم يقتدون بالسلف الصالح، أو هكذا يقولون، ثم يقولون أيضاً بأنهم يقتدون بالرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، وبصحابته الكرام!
إننى أتصور بقرة تطير أمام أعيننا كما كان القديس «توما» يتصور، ولا أتخيل أبداً سلفياً يكذب هكذا على الناس، غير أن هذه، بكل حزن، هى الحقيقة العارية!