كتاب 11
القرار الصحيح فى التوقيت الخطأ
توقفت طويلاً أمام تصريح على لسان ماريو ديفيد، رئيس بعثة مراقبى الاتحاد الأوروبى، فى انتخابات الرئاسة، يقول فيه إن الإقبال فى الانتخابات جيد، وإن مستوى الحضور فيها، من جانب الناخبين، يدل على قدر كبير من الحيوية.
توقفت أمامه طويلاً، لأنى رأيت أننا كنا فى حاجة إلى مثل هذه الروح فى النظر إلى انتخابات الرئاسة، بشكل خاص، ثم إلى أى انتخابات بعدها، بشكل عام.
وربما تلاحظ أنت أن «ماريو» عندما وصف الإقبال فى انتخاباتنا فإنه قال عنه إنه جيد، وهو «تقدير» معقول فى النظر إلى أى انتخابات، كما أنه مقبول للغاية تقييم درجة الحضور فى أى انتخابات طبيعية.
وبمعنى آخر، فإن اللجنة العليا للانتخابات، لو كانت قد تطلعت إلى الانتخابات، من هذه الزاوية.. زاوية أننا نريدها جيدة، لا ضعيفة، ولا ممتازة، لكانت قد أراحت نفسها، وأراحتنا، وهى تجعل التصويت ابتداءً، على يومين فقط، ثم تقرر فجأة أن يكون على ثلاثة أيام، لا يومين، وكذلك وهى تجعل التصويت فى اليوم الثانى، للعاشرة مساءً، ثم تعود وتجعله للتاسعة فقط!
صحيح أننا نريد رئيساً بأغلبية كبيرة، ومعتبرة، وصحيح أيضاً أننا نريد هذه الأغلبية من بين كتلة تصويتية ضخمة، غير أن هذا لا يجب أن يجعلنا نتصور أن الـ54 مليون ناخب سوف يزحفون جميعاً، إلى صناديق الاقتراع، فمثل هذا التصور يظل طموحاً مرهقاً لأصحابه، كما أنه غير عملى بالمرة!
إن التصويت فى أى دولة متطورة، إذا بلغ 30 أو 40٪ من الناخبين، ممن لهم حق التصويت، فإنه يبقى حضوراً مرتفعاً، وقوياً، كما أن أى دولة تعرف المزاج العام للناخب، أى ناخب، لا تطمح لأكثر من هذه النسبة، بل إنها تسعى إليها، منذ البداية، وتسعد جداً عندما تحققها!
ولسنا، ونحن ننظم انتخابات الرئاسة، أو أى انتخابات غيرها، فى سباق مع العالم، لنثبت له أن العدد الفلانى حضر، وأن ذلك كان بنسبة كذا.. لا.. ليس هذا هو المقصود، ولا هو المطلوب، لأننا فى حقيقة الأمر، فى سباق مع أنفسنا نحن، قبل أن يكون السباق مع أى طرف آخر، وحين يتحقق لنا ما يرضينا نحن، ويقنعنا نحن، فإنه سوف يكون مقنعاً للآخرين، ومرضياً لهم، دون جهد منا، إذا كان يهمنا إقناعهم ورضاهم، ولابد أنه يهمنا طبعاً، ولكن فى حدوده، وفى إطاره الطبيعى.
ولذلك، فرغم أن قرار العليا للانتخابات بمد التصويت ليوم ثالث، كان يمثل رغبة لدى كثيرين منا، إلا أنه جاء بمثابة القرار الصحيح، فى التوقيت الخطأ!
لماذا؟!.. لأن الصحيح كان أن يبقى تصويت اليوم الثانى، للعاشرة كما هو، وأن يكون اتخاذ قرار اليوم الثالث، فى اللحظات الأخيرة، حين يكون الإقبال كثيفاً، وعندها، كان من الجائز إعلان القرار فى التاسعة والنصف، لا فى السادسة والنصف كما حدث.. وإلا.. فكأنك كلجنة عليا تطلب ممن كان ينوى الذهاب للتصويت، فى الفترة من السادسة إلى العاشرة، فى اليوم الثانى، أن يؤجل ذلك، متكاسلاً، لليوم الثالث، مع احتمال ألا يذهب فى هذا اليوم أصلاً!
نريد أن نكون أنفسنا، وأن نحقق ما يرضينا نحن، وليس ما يرضى الآخرين، وأن نفرق جيداً بين الطموحات الممكنة والمشروعة، والأوهام المستحيلة!