عرب وعالم
لعنة بنغازي تطارد البيت الأبيض ..
لم يغلق بعد ملف هجوم بنغازي، وعلى الأرجح فإنه لن يغلق قبل أن يقدم لنا وللشعب الأمريكي الكثير من القطع الناقصة من الأحجية الكبرى، أو ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، ويظل هجوم بنغازي – ذلك الحدث الذى كثيرا ما تناسيناه فى خضم الأحداث المتلاحقة التى تمتصنا داخليا – يحمل الكثير من الأسرار التى تكشف لنا كيف تورطت إدارة اوباما حتى أذنيها فى مستنقع تمويل اكبر عملية تهريب أسلحة لفرق الموت الإرهابية فى المنطقة، بتعاون مخلص من ثلاث دول حليفة لها، هى قطر، تركيا، باكستان، ربما نكون قد اقتربنا أخيرا من إدراك الكثير مما قد ظل بالنسبة لنا ألغازا غير قابلة للحل.
منذ أيام أعلن رئيس مجلس النواب الأمريكي، جون بوينر، أن المجلس بصدد تشكيل لجنة خاصة جديدة للتحقيق فى هجوم بنغازي 11 سبتمبر 2012، على القنصلية الأمريكية من قبل جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، وهو ما يعنى ضمنا أن فتح تحقيق جديد فى هذا الملف الشائك سيجعله الملف الأبرز خلال الشهور القادمة.
لقد طرح بوينر السؤال الأهم فى هذا السياق، ماذا غير هجوم بنغازي، تخبئه إدارة اوباما عن الشعب الأمريكي؟
كان ترى جاودي، عضو الكونجرس الأمريكي، المشكك منذ فترة طويلة فى الطريقة التى شرحت بها إدارة اوباما الأحداث، هو من عين رئيسا لهذه اللجنة الجديدة، التى يأتى تشكيلها بموجب قانون حرية المعلومات من قبل مجموعة المراقبة القضائية، التى كشفت أن البيت الأبيض قد تعمد التهوين من حقيقة أن الهجوم كان إرهابيا نفذ من قبل جماعة تابعة للقاعدة، وركز بدلا من ذلك على سرد مفتعل، يفيد بأن الهجوم كان من قبل أشخاص غاضبين (غير مرتبطين بتنظيم أو جماعة) بسبب الفيديو المسيء للإسلام، الذى يعتقد بعض أعضاء الكونجرس انه تم ترويجه عمدا على موقع يوتيوب فى تلك الفترة تحديدا، بحسب تقرير للزميلة ميادة العفيفي تنشره الأهرام اليوم.
وقد أعلن البيت الأبيض انه لن يتعاون مع هذه اللجنة الجديدة (التى تضم هذه المرة سبعة من الجمهوريين وخمسة من الديمقراطيين)، مما آثار الكثير من التكهنات فى الأوساط الصحفية الأمريكية، حول كم الأسرار التى تصر إدارة اوباما على حجبها، ناهيك عن كونه يصب المزيد على تل من الاتهامات التى أثارها الهجوم المشئوم على القنصلية الأمريكية فى بنغازي، فهو على اقل تقدير يثير الكثير من التساؤلات حول الدور الذى لعبه البيت الأبيض فى الإضرار بالأمن القومي الأمريكي وهو ما يرقى الى مستوى الاتهام بالخيانة العظمي، وهو الاتهام الأكبر الذى فجره الشهر الماضي، الكاتب الصحفي البارز، سيمور هيرش فى مقاله فى لندن “ريفيو اوف بوكس”، وهو المقال الذى رفضت من قبل واشنطن بوست نشره، والذى يفيد بان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بناء على أوامر من إدارة أوباما، كانت قد أنشأت ما سماه هيرش” خط الفئران” فى إشارة إلى الممرات التى رعتها لنقل ترسانة الأسلحة الليبية الشديدة التطور الخاصة بنظام القذافى وغيرها من الأسلحة، والتى تم الاستيلاء عليها من قبل ما أطلق عليهم ثوار ليبيا، إلى الجماعات الإرهابية فى سوريا، واغلبها ترتبط بتنظيم القاعدة، ، أى أن الولايات المتحدة قد تعاونت سرا مع التنظيم الإرهابي الأكبر، وخاصة فروعه فى بنغازي وسوريا، لتنفيذ مخططها فى توسيع نطاق ما أسمته “الربيع العربي”، لتحقيق برنامجها الجيوسياسى الذى تعهد بصعود الإخوان إلى الحكم بدعم ميليشيات تنظيم القاعدة فى الشرق الأوسط، وكانت اذرع الإدارة الأمريكية فى تكوين هذا الخط الكارثي، هى قطر وتركيا والداعم الدائم للإرهاب والإخوان، باكستان.
وبعيدا عن مقال هيرش الكاشف، كانت شبكة الـ”سى إن إن” الأمريكية، قد أشارت فى أغسطس الماضي إلى “خط الفئران” هذا لنقل الأسلحة الليبية إلى سوريا، وذكرت الشبكة أن مجمع القنصلية الأمريكية فى بنغازي كان يضم العشرات ممن كانوا يعملون لحساب وكالة المخابرات الأمريكية، وأنهم كانوا فى المجمع وقت الهجوم، وان الوكالة وقتها لجأت إلي” محاولة غير مسبوقة” لإخفاء الناجين من الهجوم، خوفا من أن يسربوا أى معلومات للصحافة، ونقلت الشبكة أيضا عن مصادر فى الكونجرس، ان أفرادا من وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية، العاملين فى بنغازي كانوا يساعدون سرا فى نقل صواريخ ارض جو من ليبيا، عبر تركيا إلى أيدي الجماعات الإرهابية أو “المتمردين” فى سوريا، وهو ما يؤكد دعم اوباما لهم، ناهيك عن حقيقة أن آخر زائر إلى مجمع القنصلية فى بنغازي قبل الهجوم، كان دبلوماسيا تركيا، يعتقد انه السفير التركي فى بنغازي، وهو حسب ما ذكرته الشبكة، يقدم الكثير من الحقائق التى لا يمكن تجاهلها.
من ناحية أخري، كانت لجنة مستقلة قد شكلت باسم لجنة المواطنين حول بنغازي بدعم من مؤسسة شفافية الإعلام الأمريكية، بهدف التحقيق فيما جرى هناك، وقد خرجت أخيرا بتقرير مهم عن مجمل تحقيقاتها، ومن ابرز ما جاء فى التقرير، أن الرئيس الليبي السابق معمر القذافى، كان فى أيامه الأخيرة، قد طلب أن يمنح فرصة للخروج إلى أى منفى خارج البلاد، وقال انه مستعد للوصول إلى حل سلمي، ولكن طلبه قوبل بالصمت من قبل حكومة وحلفاء الولايات المتحدة. ووفقا لتقرير لجنة المواطنين، فقد طلب أحد أكبر مساعدي القذافى هدنة لمدة 72 ساعة من مسئولي القيادة العسكرية الأمريكية للتفاوض على وقف إطلاق النار وإجراء محادثات فى طرابلس.
لكن رفضت هذه الهدنة، بل عملت الإدارة الأمريكية عبر وكلائها من القطريين وإخوان ليبيا على تصفية القذافى بعيدا عن المساءلة القانونية وبدعم من قوات الناتو، وهم الإخوان الذين تعاونت معهم الإدارة الأمريكية، ثم سهلت بعد ذلك وصولهم إلى مناصب قيادية فى المجلس الوطني الانتقالي، ونقل ترسانة أسلحة القذافى إلى “الإرهابيين فى ليبيا” ومنهم إلى فرق الموت فى سوريا، وان هؤلاء الإرهابيين الذين تبنتهم الإدارة الأمريكية والتابعون لتنظيم القاعدة، هم من قاموا باغتيال السفير الأمريكي كريستوفر ستفينز وأربعة أمريكيين آخرين، بل يشير التقرير أيضا إلى أن القوات الأمريكية هى من رعت تدفق الأسلحة الممولة من قطر إلى بنغازي، حيث أن مهمة هذه القوات كانت مراقبة الممرات الجوية والبحرية، ثم بعد ذلك نفس هؤلاء الذين سمحت بتسليحهم القوات الأمريكية هم من قتلوا السفير ورفعوا علم القاعدة فوق القنصلية الأمريكية فى بنغازي، أى انه بعد هجمات 11 سبتمبر بعشرة أعوام تحولت القاعدة وفروعها من عدو إلى حليف الإدارة الأمريكية.