كتاب 11
من يخبر الشيخ القرضاوي بهذا؟
من المتوقع أن يصبّ الشيخ يوسف القرضاوي، مرجعية الإخوان الدينية وخطيبهم السياسي، حممَ غضبه على ما يجري حاليا في مصر.
الشيخ الثمانيني، غاضب ومحبط، وهو الذي اتكأ على عصاه في ميدان التحرير عشية ما سمي ثورة يناير، ظنا منه أن لحظة القطاف ومرحلة «التمكين» التي تحدث عنها قدوته حسن البنا، قد حانت، خصوصا مع صعود جماعة تلميذه راشد الغنوشي في تونس، وجماعة الغرياني وغيره في ليبيا.
ذهل الشيخ، فهل كل ذلك كان وهما خاصة في مصر؟ إذ سرعان ما تهاوى قصر الريح الإخواني على رؤوس قادة الجماعة، وتبخرت آمال محبي وداعمي الإخوان في مصر من اسطنبول إلى الدوحة.
من أجل هذا فلا تلوموا الشيخ الذي احمرّت شمس الغروب في صفحة يومه، أن يهتاج ويرفض الإقرار بالواقع، ويعتمد على سلاحه الأثير، وهو الفتوى والتهييج الديني، فلا دبابات لدى الشيخ ولا طائرات «فليسعف النطق إن لم يسعفِ الحال»!
القرضاوي لا يريد إجراء انتخابات رئاسية في مصر، والسبب: لأن الإخوان خارج اللعبة. ترجم ذلك بالإحالة إلى الدين، وأن رأيه هذا هو «توقيع عن رب العالمين» فحرّم المشاركة في الانتخابات المصرية، هذه هي لغته التي يتقنها، مثلما يتقن تلميذه راشد الغنوشي لغة السياسة والإعلام التي كتب بها في «فيسبوك» تزامنا مع فتوى القرضاوي: «الانتخابات الرئاسية مسرحية سخيفة».
هذه انفعالات نفسية مهتاجة ترفض التعامل مع حقيقة هزيمة الإخوان في مصر، منهم من يعبّر عن انفعاله بشكل فتوى، كالقرضاوي، وشكل تعليق سياسي تحليلي، كالغنوشي.
ربما وضع وزير الأوقاف المصري الشيخ محمد مختار، يده على الجرح، وهو أدرى بطبائع الشيوخ، حينما أعلن ردا على القرضاوي، أنه يدعم بقوة بيان الأزهر الشريف بشأن فتوى القرضاوي، التي وصفها بالضالة المضلّة. وطالب الشيخ مختار بإحالة القرضاوي إلى لجنة القيم وإلى طبيب نفسي.
وشدّد على أنه أكد مرارا أن «يوسف القرضاوي قد فقد صوابه، وقد أفقده ضياع سلطة الإخوان بمصر وعيه، فصار يتخبط في الفتاوى المغرضة التي تدعم الإرهاب، وتدعو إلى الفساد والإفساد في الأرض».
الألم على الشيخ ليس محصورا بتبخر حكم الإخوان، ولا بالدعوة لطرده من زمرة علماء الأزهر، الأمر وصل لأمواله الشخصية في مصر، هو وثلة من تلاميذه المصريين المقيمين في قطر، حيث صودرت هذه الأموال بأمر لجنة خاصة مكونة لحصر وملاحقة أموال الجماعة بعد حظرها قانونيا.
في لحظات الانكسار والصدمات بفقد عزيز أو بضياع حلم، أو حتى بهبوط ثروة مفاجئة أو سلطة مباغتة، يكون الإنسان أحوج إلى من يوقظه، ولو برفق وتدرج، على حقيقة الحال، ويرجعه إلى أرض الواقع، حتى يتوقف عن إيذاء نفسه والآخرين بمناطحة الجدران.
لا يلام الشيخ فهو إنسان يعتريه، مثلنا كلنا، ما يعتري الإنسان من قوة وضعف وفرح وترح وأمل وألم، وغضب وسرور، وأهواء النفوس..