كتاب 11
وجع عاش به السادات
أدعوك للعودة إلى قراءة مانشيت «المصرى اليوم»، صباح أمس، والذى كان هكذا: رفع سعر البنزين فى مايو.. وتعويض الفقراء!
ثم أدعوك، من فضلك، إلى أن تحاول أن تتذكر كم مرة بالضبط قرأت عنواناً بهذا المضمون منذ عام 1977 إلى الآن، وكيف أنه كان، فى كل مرة، بصيغة مختلفة، ولكنه كان تحت عنوان عام واحد هو: كيف يمكن لدعم الحكومة أن يصل إلى مستحقه فعلاً، وكيف يمكن منعه عمن يشكل حصوله عليه جريمة؟!
أما لماذا عام 77 بالذات، فلأن السادات فى يناير من ذلك العام حاول أن يحقق انتصاراً آخر، يحسبه له التاريخ فيما بعد إلى جوار نصر 73 الأعظم، لولا أنه أخفق فيه، وكانت هذه هى هزيمته الوحيدة، إلى جانب انتصارات كثيرة بلا عدد.
وإذا شئنا الأمانة مع النفس، قلنا إن هذه إذا كانت هزيمته الوحيدة، فهو قد أقدم على شىء آخر ندفع ثمنه فادحاً إلى اللحظة الراهنة، وهو سماحه بعودة الإخوان المتخلفين إلى العمل العام.. غير أن هذه قصة أخرى.
كانت للرجل، الذى أراه عظيماً، انتصارات بعدد السنوات التى حكمها، من عام 1971 إلى 1981، لولا أن هزيمة 77، إذا جاز التعبير، قد وقعت، ليس لأنه لم يكن صادقاً فى اقتحام ملفها، وإنما لأنه لم يتهيأ لها جيداً، على نحو ما كان قد تهيأ لنصره الأكبر فى عام 73.
ولأنه لم يتهيأ جيداً، فإن السهم قد طاش من يده، فتراجع عن قرار كان قد اتخذه فى حينه بألا يكون فى البلد شىء خادع اسمه دعم، وأن يزيد المواطن، فى المقابل، فى دخله، بحيث يستطيع أن يشترى السلعة بتكلفتها الحقيقية، وبجودتها المفترضة، فنكون عندئذ، أمام اقتصاد صحى، وسليم، ونقطع الطريق على الذين يذهب الدعم إلى جيوبهم، على مدى 37 عاماً، دون أن تعرف الحكومات المتعاقبة، بامتداد كل هذه السنين، كيف توقفه!
والحقيقة أن القرار فى حاجة الآن إلى شجاعة مماثلة لتلك التى كان السادات قد تحلى بها، وهو يأخذ قراره، ثم إنه كقرار فى حاجة إلى إعداد جيد، وهو الشىء الذى كان ينقصه فى تلك الأيام.
تصور أنت بلداً تقضى حكوماته 37 سنة، فى اللف والدوران حول مشكلة واحدة، ثم تظل، فى كل مرة، تتقدم خطوة، وتتراجع خطوات، بينما المشكلة على حالها، بل تزداد تضخماً، وتكبر وتكبر، حتى صارت تمثل «عقدة» حقيقية لكل حكومة جديدة تأتى إلى مقاعد الحكم.
وتصور أنت أيضاً أننا لسنا وحدنا بالطبع، الذين نواجه مشكلة من هذا النوع، فى هذا الكون، فهناك دول أخرى واجهتها، ثم اقتحمتها، وأنهت صداعها إلى الأبد، خصوصاً فى أمريكا الجنوبية، وبشكل أخص فى البرازيل.
ليس مطلوباً منا، إذن، فى عام 2014، إلا أن نكون على يقين بأن لكل رجل من رجالنا، من عبدالناصر إلى مبارك، انتصاراته، كما أن له إخفاقاته، وقد كان إخفاق 77 هو الأشد وجعاً، بالنسبة للسادات فى حياته، كما روى هو أكثر من مرة، وبالنسبة لنا أيضاً، فيما بعد حياته!
وقد ذكر أحمد بهاء الدين، فى مذكراته، أن شيئاً لم يوجع السادات، خلال 11 عاماً كان حاكماً فيها، بقدر ما أوجعه إخفاق 77، عندما خرجت المظاهرات ترفض قراره، رغم أنه كان قراراً لصالح الجماهير الغاضبة المتظاهرة، ولم يكن فى غايته النهائية ضد صالحها، بأى حال.. ولكن.. منذ متى يتقبل المريض علاجه راضياً؟!
ولا مفر أمامنا، هذه الأيام، إلا أن نحول هزيمة الرجل اليتيمة إلى انتصار، فنعطى المصريين فى عام 2014 دواءً مراً رفضوه فى 77!