مصر الكبرى
الإخوان والتنقيب عن النفط
سيطرة الإخوان على دول فقيرة مثل مصر وتونس، وحتى سوريا في ما بعد، لا تكفي بالضرورة لتمويل مشروع الخلافة الطموح الذي يرعاه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، لذلك تبدو ضرورة استراتيجية بالنسبة لتنظيم الإخوان المسلمين السيطرة على دولة غنية الموارد، ويفضل أن تكون دولة نفطية.
ومن هنا تأتي أهمية ما يحدث في الدولة الوحيدة النفطية من دول الربيع العربي، وهي ليبيا، فمستقبل هذه الدولة مرهون بالصراع الذي يتشكل بين الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية المقاتلة. ضرورة وجود دولة ذات اقتصاد كبير أو دولة نفطية لتمويل مشروع الخلافة هو الذي سوف يساعدنا على فهم ما يحدث في ليبيا اليوم وما حدث في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأسابيع الماضية عندما أعلنت السلطات هناك أنها قبضت على ستين عضوا من القيادات الإخوانية في الإمارات هدفهم تغيير نظام الحكم بالقوة.
وفي هذا السياق أيضا يمكن فهم ما يجري في الكويت من احتجاج شبه يومي مرة بذريعة الدستور، ومرة من أجل مطالب تهدف إلى تغيير النظام بوسائل أخرى مثل المطالبة برئيس وزراء شعبي وليس من الأسرة الحاكمة، إلى آخر مطالب تلك الأجندة التي تصب في النهاية في تنقيب الإخوان عن النفط.
التنقيب عن النفط أو السيطرة على دولة نفطية هو المخرج بالنسبة للتنظيم الدولي للإخوان كلما اتسعت رقعة دول الربيع الفقيرة، فإذا ما اشتملت على سوريا لاحقا فربما يحتاج تمويل مشروع الخلافة إلى دولتين نفطيتين وليس دولة واحدة، فمشروع طموح يهدف للسيطرة على العالم الإسلامي يحتاج على الأقل إلى دولة مركزية للإنفاق لديها مليارات الدولارات من ريع النفط أو الغاز، ومن هنا تأتي أهمية الإمارات كما قد تدخل قطر أيضا كدولة مرشحة لاستهداف الإخوان رغم تعاونها الواضح مع مشروعهم.
الإخوان يحلمون بخلافة الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان إلى المغرب، مشروع لا يقل طموحا عن مشروع كوندوليزا رايس الخاص بالشرق الأوسط الكبير. الإخوان يفكرون بشرق أوسط كبير لكن على طريقتهم، ومن دون نفط وغاز يبقى مشروع الخلافة مجرد كابوس من هلال الفقر، لا هلال الشيعة ولا هلال الإخوان. هلال فقر يكون مصدر اضطراب إقليمي لسنوات، وهكذا تتجلى ضرورة النفط أو الهلال النفطي الممول لمشروع الخلافة.
التنقيب عن النفط، رغم أنه وللوهلة الأولى، يبدو مصدر بناء دولة الخلافة، إلا أنه في نهاية المطاف وبشكل استراتيجي هو الذي سيؤدي إلى تقويض مشروع الخلافة.. فالطاقة الموجودة في دول الخليج لا يمكن أن تكون محركا لمشروعين متناقضين، مشروع الخلافة من ناحية واستمرارية الحضارة الغربية المعتمدة على نفط الخليج من ناحية أخرى.
ومن هنا تكون حتمية المواجهة بين الإخوان والغرب عندما يمس الإخوان الطاقة، حتمية لا مفر منها.. فرغم ما يبدو من تساهل غربي مع الإخوان في سيطرتهم على الدول الفقيرة، لكن لن يسمح الغرب بأن يقع النفط في يد الإخوان. كما أن الدول الخليجية المتعاونة مع الإخوان (كما في حالة قطر) سيصل حد التعاون بينها وبين الإخوان إلى نهايته، عندما يظهر التناقض بين الطاقة كمحرك للغرب والحضارة الحديثة وطاقة الخليج كمحرك لدولة الخلافة.
ومع ذلك لا يتردد الإخوان مرحليا في التنقيب عن النفط، لأنه رغم كل الحديث عن إمبراطورية الإخوان المالية فإنها لا تكفي لإدارة دولة مثل تونس، فضلا عن مشروع الخلافة الطموح.
مشروع الخلافة لم يكن محظوظا في حالة نفط السودان الذي كان من الممكن أن يكون ممولا أوليا للخلافة، ولكن لسوء حظ الإخوان انفصل الجنوب النفطي ليكون دولة غير إسلامية في جنوب السودان غنية بالنفط وقادرة على مواجهة تمدد المشروع الإخواني في أفريقيا.
السودان اليوم عبء على الخلافة وليس إضافة لها، مزيد من مساحات حزام الفقر، هذا إضافة إلى أن الإخوة في السودان لديهم حساسياتهم من قيادة إخوان مصر لمشروع الخلافة، حيث كان يطمح الشيخ حسن الترابي بمشروع خلافة خاص به أكثر عمقا في الفكر وأكثر تنويرا وتفوقا على المشروع المصري، فالسودانيون لديهم حساسية عالية من الاندماج مع مصر منذ مملكة مصر والسودان أو ما كان يسمى «angloegyptain condominium».
ليبيا أيضا تبدو صعبة المنال رغم نفطها، لأسباب عدة، أولها طبيعة ليبيا كدولة والتي لا يمكن السيطرة عليها اليوم لا بمشروع إخواني أو حتى ديكتاتوري كمشروع القذافي، إذ تصنف ليبيا اليوم في عداد الدول التي يصعب حكمها «ungovernable state» من حيث التنوع المناطقي والقبلي وغياب سلطة شرعية عليها اتفاق. كما أن الرئيس الجديد في ليبيا الدكتور محمد يوسف المقريف، رغم ميوله الإسلامية، فإنه لم يثبت أنه ينتمي إلى الإخوان، فهو جزء من الإسلام التقليدي المعتدل المختلط بالثقافة الليبية المحلية. وقد أتيحت لي فرصة التعرف على الدكتور المقريف بشكل قريب وأدعي معرفته ولا أظنه جزءا من المشروع الإخواني رغم تدينه الواضح، وتدين الرجل أقرب إلى التقوى منه إلى الإسلام الآيديولوجي الذي ينسحب على نظام الحكم. ولكن ليبيا اليوم ليست لاعبا واحدا كرئيس المجلس الوطني، وإنما بها أطراف عديدة فاعلة لن تجعل من ليبيا لقمة سائغة في يد الإخوان، وخصوصا أن تاريخ الإخوان في ليبيا حديث جدا.
من هنا تأتي أهمية دول الخليج التي كان فيها الوجود الإخواني كبيرا ومتجذرا تاريخيا، فكما نرى إخوان الكويت هم الأقدم متمثلين في جمعية الإصلاح ومشروع الراحل عبد الله المطوع وجماعته التي كانت تصدر مجلة «المجتمع» التي تمثل الذراع التثقيفية للإخوان في الكويت.
وإخوان الكويت من المصريين وغيرهم متغلغلون في مفاصل الدولة والمجتمع بشكل يجعل الطموح إلى مشروع السيطرة على دولة نفطية ليس بعيد المنال على الأقل على مستوى أحلام الجماعة.
حظ الكويت أنه مجتمع حي ومتعدد، فرغم الوجود القوي للإخوان لكنه يوجد في الكويت من القوى المناهضة للمشروع الإخواني بتنوعها الطائفي والقبلي وولاءاتها المتعددة ما يكفي لتوقيف المشروع، ومع ذلك فهذا لا يمنع الإخوان من المحاولة.
الكشف عن خلايا إخوانية في دولة الإمارات العربية المتحدة تهدف لقلب نظام الحكم بقوة السلاح هو أمر خطير يجب التوقف عنده حتى لو كان في الأمر بعض المبالغة في قدرات التنظيم.
بالطبع ليس طموح الإخوان إقامة إمارة إسلامية في دبي التي يصعب أن تكون راعيا للخلافة، فالروس في دبي أكثر من الإخوان، كما أن هدف الإخوان ليس بالضرورة رأس الخيمة أو أم القوين أو أيا من الإمارات الفقيرة، إذ يركز مشروع الإخوان على الجائزة الكبرى المتمثلة في إمارة أبوظبي الغنية بالنفط ومركز ثقل الاتحاد الإماراتي.
ما كشفت عنه التحقيقات في الإمارات لافت لنظر أي محلل يهتم بأمن الخليج، وخصوصا في ما يتعلق بالعوامل الداخلية لخلخلة معادلة الأمن هناك. التركيز الأكبر لدى معظم الباحثين في أمن الخليج غالبا ما ينصب على التحديات الخارجية التي تهدد استقرار هذه الدول.. إذ كان التركيز في السابق على تهديد صدام حسين للكويت، وهو تهديد حقيقي دخل أرض الواقع عام 1990 عندما احتل صدام الكويت، أو التهديد الإيراني للبحرين والإمارات. هذا التركيز على التهديد الخارجي خلق حالة من التراخي في التعامل مع التهديدات الداخلية، وخصوصا تغلغل تيار الإسلام السياسي السني في هذه المجتمعات بذريعة مواجهة الهلال الشيعي. ومن هنا تحدثت في مقال سابق عن هلال التهديد وهلال التوريط، إذ تتورط الدول الخليجية في تقويض أسس أمنها بنفسها من خلال تبني مقولات الإسلام السياسي بمقاومة تيار التشيع لمقاومة الهلال الشيعي. شيء أشبه بما قاله ماركس بأن الرأسمالية تحمل في داخلها فيروس تقويضها. يتبنى بعض النخب في الخليج رعاية تيار يحمل في داخله بذرة هدم أسس الدولة الحديثة في هذا الجزء المهم من العالم.
التغلغل الإخواني في دول النفط هدف استراتيجي لتمويل دولة الخلافة. ومن يظن أن ما حدث في الإمارات هو مجرد فرقعة إعلامية ضمن سلسلة من محاولات النيل من الإخوان فهو واهم.
رد الفعل الأولي لدى إخوان مصر بعد القبض على هذا التنظيم في الإمارات، كما تكرر في إعلام الإخوان المكتوب والمرئي، هو أن دولة الإمارات تتعامل مع الإسلام السياسي ومع الإخوان تحديدا على طريقة حسني مبارك.. أي حرب على الجماعة وتبني حملة إعلامية ضدهم. رد الفعل هذا كاشف عن أن الإمارات مست عصب التنظيم الدولي أو لمست الأسلاك العارية لمشروع الخلافة، وهو متلبس بالتنقيب عن النفط.
الخليج النفطي اليوم واقع بين مطرقة هلال التهديد الشيعي وسندان مشروع الخلافة الذي يرمي إلى تقويض الدول النفطية من الداخل أو السيطرة على إحداها من أجل تمويل مشروع الخلافة في الدول الفقيرة. بعبارة أكاديمية: الاقتصاد السياسي لدولة الخلافة لا يقوم على حزام الفقر في مصر وتونس أو سوريا، وإنما يهدف إلى السيطرة على آبار النفط. قد يتصور البعض أن الغرب اليوم يقف في صف الإخوان في حالة براغماتية سياسية، ولكن التناقض البنيوي بين مصالح الغرب الصناعي في طاقة دول الخليج كمحرك للحضارة الغربية وبين النفط كمحرك لدولة الخلافة، يجعل الصراع بين الإخوان والغرب حتميا لا محالة.. فالمساس باستقرار دول ذات أهمية عالية بالنسبة للوضع الجيوستراتيجي العالمي في ما يخص أمن الطاقة هو نقطة تصادم بين مشروع الخلافة والحضارة الغربية الحديثة، لذا يكون من السذاجة أن يستمر الإخوان في التنقيب عن النفط.