كتاب 11
من القاهرة إلى طهران.. الدعم واحد
على عكس ما حدث قبل سنوات، مرت زيادات الأسعار أو بتعبير أدق الخفض الجزئي للدعم المقدم حكوميا لأسعار الوقود في إيران قبل أيام من دون احتجاجات أو اضطرابات اجتماعية كبيرة أو ملحوظة، بما يعني أن الرأي العام تفهم أو تقبل الخطوة رغم تأثيراتها على أوضاعه المعيشية.
والمرجح أن يكون هناك سببان وراء ذلك، أولهما أن الحكومة الجديدة برئاسة روحاني جاءت بقدر معقول من التفويض الشعبي الذي يأمل في تغيير عن سياسات سابقة، والثاني هو التمهيد الإعلامي الذي سبقها لشرح ضرورات إصلاح منظومة دعم الأسعار للمستهلكين باعتبارها ضرورة لا مناص منها لتحقيق تنمية حقيقية في المستقبل.
على الجانب الآخر من منطقة الشرق الأوسط، وبسياسات ونظام مختلف، تقف مصر على العتبة نفسها في مواجهة مشكلة دعم الطاقة، والدعم المقدم لأسعار سلع استهلاكية غذائية بالدرجة الأولى أخرى، مع تماثل شديد في الآثار التي تعكسها سياسات الدعم على الاقتصاد والسياسة المحلية، مع خطوة مرتقبة من الحكومة الحالية للبدء في خفض أو ترشيد الدعم المقدم لأسعار الطاقة بشكل محدد.
يقول تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في مارس (آذار) الماضي بعنوان «دعم الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. دروس في الإصلاح»، إن هذا الدعم للوقود في المنطقة لإبقاء الأسعار منخفضة يعادل نصف الدعم المقدم على مستوى العالم كله لأسعار الطاقة، ويعادل خمسة في المائة من الناتج المحلي لاقتصادات المنطقة مجتمعة. وبينما الهدف هو تسهيل حياة الفقراء، فإن المستفيدين في الغالب هم الفئات الأفضل وضعا في المجتمع، كما تضغط تكلفة الدعم على ميزانيات الحكومات على حساب الإنفاق الأكثر حيوية على الصحة والتعليم، لكن التقرير يعترف في الوقت نفسه بأن إصلاح سياسات دعم الطاقة معقد من الناحية التقنية والسياسية، لذلك يجب أن التخطيط بعناية من ناحية التوقيت، والمدة، كما أن هناك عاملا مهما جدا في النجاح هو الحملة الإعلامية لزيادة الوعي حول تكلفة الدعم وفوائد الإصلاح من أجل حشد أكبر تأييد سياسي وشعبي للإصلاح.
وهذا هو الخطأ القاتل الذي وقعت في الحكومة المصرية التي كانت تدير الأمور في عام 1977، عندما حاولت تطبيق سياسة إصلاح الدعم الذي كان وقتها أقل بكثير من الآن من دون أن تمهد الرأي العام للخطوة أو تشرح له، فانفجرت احتجاجات يناير (كانون الثاني) من ذلك العام والتي وصفت باحتجاجات الخبز، وهي من حيث العدد واتساعها على نطاق المدن المصرية لا تقل عما حدث في يناير 2011، إن لم تكن أكثر، واضطر الرئيس السادات وقتها لإلغاء القرارات واستدعى الجيش لحفظ الأمن، وظلت الحكومات المصرية المتعاقبة بعد ذلك أسيرة هذا الهاجس، تعرف أن هناك مشكلة وتهرب من حلها، في حين أنه لو كانت حكومة 1977 هيأت أسباب النجاح لقراراتها لكان الناتج المحلي للاقتصاد المصري أضعاف ما هو عليه اليوم، أي بعد نحو 36 عاما.
تقريبا نفس الوضع في إيران، إذ حاول ثلاثة رؤساء إصلاح سياسة الدعم دون نجاح، بعد سياسات شعبوية أوصلت التكلفة المالية للدعم إلى ما بين 70 و100 مليار دولار سنويا، بما يعادل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد البلاد، وهو رقم كان سيظل في ازدياد مطرد لو لم تتخذ إجراءات. والمفارقة أن الذي قدم خطة خفض الدعم تدريجيا إلى البرلمان هو الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وذلك خلافا لبرامجه الانتخابية، وسياساته الشعبوية، لكن الحقائق تفرض نفسها في النهاية على الحكومات.
في مصر يعادل الدعم نحو ثلث الإنفاق الحكومي و13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويفوق دعم الطاقة بثلاثة أضعاف الإنفاق الحكومي على التعليم، وبسبع مرات الإنفاق الحكومي على الصحة، حسب الصندوق الدولي، وهما أهم قطاعين لتقدم أي مجتمع، وبإضافة نفقات الرواتب لا يتبقى شيء للاستثمار فتضطر الحكومات للاقتراض من المصارف، التي تجد ذلك أكثر سهولة وضمانا من إقراض مشاريع في السوق توفر فرص عمل حقيقية.
في قضية إصلاح نظام الدعم لا تقتصر المشكلة على مصر وإيران في الشرق الأوسط، لكن هناك شيئا مشتركا بين البلدين، هو التعداد السكاني الذي يجعل الهروب أو التأجيل ليس حلا. وينبغي أن يقال إن دعم الأسعار ليس ابتكارا خاصا بالمنطقة، فهدفه أصلا هو حماية الفقراء في إطار إحداث التوازن المطلوب اجتماعيا، لكن إذا كان الأمر كما ثبت عبر السنوات بأن هذا النظام لا يصل إلى المستهدفين منه، وفي الوقت نفسه يعرقل النمو، تكون مهمة الحكومات الرشيدة هي البحث عن حل.