كتاب 11
ظل الزعيم
لا تستغرب حين ترى الحزب الناصري في مصر وقد أعلن تأييده للمشير عبد الفتاح السيسي مرشحاً لرئاسة الجمهورية ضد منافسه «الناصري» حمدين صباحي، فالناصريون منقسمون منذ زمن، وصباحي لم يكن عضواً في الحزب بل ينتمي إلى حزب ناصري آخر يحمل اسم «الكرامة».
لكن مؤكد أن مرشحاً يعتمد على رصيده «النضالي» كناصري يواجه تحدياً كبيراً عندما يرى بعض الناس وقد وصفوا منافسه بناصر الجديد، وموقفاً صعباً عندما يرى في حملة ذلك المنافس ناصريين آخرين! المعضلة هنا لا علاقة لها بموقف «الإخوان» من الانتخابات الرئاسية، فالجماعة وأنصارها في الداخل وحلفاؤها في الخارج يرفضون تلك الانتخابات من الأساس ويسعون بكل الطرق إلى إفشالها، و»الإخوان» يسبون السيسي نهاراً ويلعنون صباحي مساءً، والاثنان بالنسبة الى «الإخوان» يمثلان «ثورة مضادة» على الثورة التي حملت محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي ومكنت «الجماعة» من حكم مصر لمدة سنة كاملة.
المسألة هنا لها علاقة بطبيعة الحاكم الذي تحتاجه مصر في المرحلة المقبلة، مواصفاته وقدراته ومدى تأثره بشعبه وتأثيره فيه. وتبدو مسألة استدعاء تجربة عبد الناصر لدى مؤيدي السيسي وصباحي ظاهرة بشدة على رغم أن عبد الناصر نفسه لو عاش لحكم مصر في ظل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بها الآن بطريقة مختلفة عن تجربته. طبيعي ألا يعد مرشح رئاسي الناس بأنه سيستعين بتجربة «الإخوان» أو أنه سيحكم البلاد كما حكمها محمد مرسي، فالتجربة فشلت ومرسي الآن في السجن و»إخوانه» وأنصاره مطاردون أو يحرقون الأخضر واليابس في كل ربوع مصر، ومنطقي أن يطرح كل مرشح رؤيته للتعاطي مع الحالة «الإخوانية» وكيف ستتعامل الدولة مع جماعة لها أتباع في الداخل وامتدادات خارجية وفروع إقليمية وتلقى دعماً من جهات ودول وقنوات فضائية، ولدى قادتها نفوذ قوي على أعضائها لا يصل فقط إلى حد تلبية أي أمر حتى ولو كان غير منطقي، ولكن أيضاً يصدق أعضاؤها أي إدعاء يصدره زعماء الجماعة باعتباره أمراً إلهياً حتى ولو ثبت مراراً كذبه أو مر الوقت من دون حدوثه. وطبيعي ألا يسعى كلا المرشحين إلى التشبه بحسني مبارك وأن ينفيا تهمة العودة الى زمانه أو أركانه أو رموزه أو أفعاله، فالثورة، بغض النظر عمّا آلت إليه أو تداعياتها السلبية، أطاحته وأسقطت نظامه. أما السادات فخطاب السيسي وحملته يخلوان من الإشارة إليه إلا إذا كان مجال الحديث عن نصر أكتوبر، وربما السبب هو الخلاف حول فترة حكمه ومسألة اتفاق السلام مع إسرائيل أو توحش طبقة رجال الأعمال في عهده والظروف التي مهدت لتفشي الفساد. في المقابل فإن صباحي وحملته لا يخفون انتقادهم غالبية، إن لم يكن كل، سياسات السادات وفترة حكمه وأسلوب إدارته البلاد والتحالفات التي أسسها مع الأميركيين والغرب وسياسة الانفتاح الاقتصادي التي اعتمدها وتسببت في اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء.
عموماً تحتاج مصر بعد ثورتين الى رئيس يعيش تجربته لا تجربة أحد قبله، يطبق نموذجاً فريداً جديداً غير مقتبس من نماذج أخرى. فالحالة المصرية بعد ثورات الربيع العربي بقيت مختلفة عن دول أخرى أطاحت رياح ذلك الربيع أركانها، كما الحال في ليبيا وسورية، أو تمكن الإسلاميون منها كتونس أو مرت الرياح فوقها من دون أن تؤثر فيها كالجزائر. تحتاج مصر إلى رئيس يرى ولا يكتفي بالسمع، يثق في قدراته قبل ثقته في إمكانات بطانته، يعرف أن المصريين تغيروا ومهما رضوا بحاكم وقبلوا بنتائج الصناديق تتغير مواقفهم وتتبدل أفعالهم وفق أداء ذلك الحاكم.
قد ينقسم الناصريون بين السيسي وصباحي وقد يختار رجال مبارك مساندة السيسي لقناعتهم أنه الأقرب إلى الفوز بالمقعد الرئاسي، وقد يرغب أتباع مرسي و»إخوانه» في هدم البلد على من فيه، إلا أن استنساخ أي تجربة سابقة مرت على مصر لن يقود إلا إلى الفشل. يدرك المرشحان، السيسي وصباحي، ذلك جيداً ويبدو في خطابيهما السياسيين حرص كل منهما على الإيحاء بأن لديه تجربة جديدة ورؤى مغايرة وحكماً مختلفاً عن كل ما سبق، أما المؤيدون والداعمون والمحبون فهم يبحثون عن ظل الزعيم بعد عقود فقدت فيها مصر الكثير من تأثيرها بفعل تأثرها وشعبها بأوضاع داخلية بالية، وما أوحى لشعبها دائماً أنه في حاجة إلى زعيم… أو حتى ظل له.