مصر الكبرى

11:24 مساءً EET

قيادات ليبرالية تتراجع عن انسحابها من «التأسيسية»

في خطوة قد تدعم موقف القوى الإسلامية داخل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع أول دستور لمصر بعد ثورة «25 يناير» عام 2011، قررت قيادات ليبرالية العودة للمشاركة في أعمال الجمعية بعد أن كانت قد انسحب منها فور تشكيلها في أبريل (نيسان) الماضي، وبرروا عودتهم بقولهم: إن واجبنا مواجهة الراغبين في الاستحواذ على «التأسيسية».

يأتي ذلك في وقت تواصل فيه قوى يسارية وليبرالية الضغط على الإسلاميين داخل الجمعية، عبر التلويح بتقديم استقالاتهم، واضعين مهلة زمنية للاستجابة لمطالبهم والتراجع عن مواد مقترحة قالوا إنها تمثل قيدا على الحريات. وقال مراقبون إن عودة 4 من الرموز الوطنية إلى أعمال تأسيسية الدستور قد تقلل من قدرة بعض القيادات الليبرالية على الضغط على الأغلبية الإسلامية داخلها.
وكان القيادي الناصري حمدين صباحي المرشح السابق للرئاسة، والدكتور محمد البرادعي، وكيل مؤسسي حزب الدستور، ورموز سياسية أخرى قد دعوا إلى مقاطعة أعمال الجمعية التأسيسية، ورفض كل ما سينتج عنها.
في المقابل، يرى آخرون أن الخلاف داخل «التأسيسية» وصل إلى طريق مسدود، بعد أن ثبت للقوى الوطنية والليبرالية من المسودة الأولى للدستور أن الإسلاميين يتكتلون لفرض نصوص مواد بعينها تتعلق بمدنية الدولة والمرأة وحقوق المسيحيين، متوقعين توترا أكثر داخلها خلال الفترة المقبلة، بما ينذر بحلها. وأعلن كل من الفقيه الدستوري والقانوني جابر جاد، والدكتور عبد الجليل مصطفى المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، والدكتور سمير مرقص مساعد الرئيس محمد مرسي للتحول الديمقراطي، والدكتورة سعاد كامل، المنسحبون من «التأسيسية»، أمس، العودة للجمعية من جديد.
وقال الدكتور مصطفى إن «قرار العودة للقيام بدورنا في ضوء ما تردد مؤخرا من محاولات استحواذ فصيل (في إشارة للإسلاميين) بعينه على كتابة دستور يهدد حياة ومستقبل المصريين»، لافتا إلى أن «عودتنا ستفتح الطريق لإعداد مشروع دستوري يلبي الطموحات». وكشف مصطفى أن «مقاعدنا كانت لا تزال شاغرة بالجمعية إلى الآن».
وأرجع أعضاء الجمعية الأربعة في بيان أمس، أسباب عودتهم، إلى المشاركة الفعالة في أعمال الجمعية وإدارة حوار مجتمعي واسع وشفاف يضمن التوافق والمشاركة وليس التغالب والمنازعة، وتأكيد احترام التقاليد الدستورية المصرية العريقة، وإحاطة جموع الشعب بما يتم التوافق عليه داخل الجمعية.
وأرجع مراقبون عودة الـ4 إلى «التأسيسية» بعدما قامت الجمعية بتصعيد الأعضاء الاحتياطيين، ووصول عملية وضع الدستور إلى مرحلة حاسمة تستدعي من المنسحبين الاستجابة لما قالوا إنه «الإرادة الشعبية»، في الوجود للعمل من داخل الجمعية، خاصة مع تصاعد القلق لدى المصريين حول النصوص المقترحة، التي قد تميز تيارا سياسيا أو فكريا عن غيره من التيارات.
وأضاف مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن «عودتنا مرهونة بتحقيق نتائج ملموسة، وأنه إذا لم تتحقق هذه النتائج، يحق لنا اتخاذ أي موقف آخر تمليه علينا الأحداث داخل الجمعية أو خارجها». وتابع القول: «إن انسحابنا من (التأسيسية) صدر عن الالتزام بالمصلحة الوطنية الخالصة وحدها، بعيدا عن أي منطق حزبي أو انحياز سياسي أو ضغينة عداء لهذا التيار أو ذاك، وإنما كان مرده الحرص الدؤوب على تشكيل جمعية تأسيسية تنعم بتوافق وطني يشيع الطمأنينة في جنبات المجتمع، الذي ينشد صناعة دستور لكل المصريين».
وتعليقا على عودة المنسحبين من «التأسيسية»، قال الدكتور محمد البلتاجي القيادي بحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، إن «رجوع الأربعة في هذا التوقيت انتصار كبير لمبدأ الحوار الوطني والمشروع الوطني الواحد مهما تعددت الرؤى والاجتهادات داخله»، مضيفا أن «عودتهم ستقطع الطريق على محاولات الانقسام والاستقطاب والتعطيل والاستعانة بالضغوط الخارجية في (التأسيسية)».
في السياق ذاته، أكدت الهيئة العليا للوفد في بيان صحافي أمس أنها شددت على أن الدستور ليس محلا للتفاوض، ولكنه محل للتوافق، وأن الوفد سيعقد اجتماعا في مجلس الشورى (الغرفة الثانية من البرلمان) يوم الأربعاء المقبل، يحضره رؤساء الأحزاب الممثلة في «التأسيسية» وممثلو حزبي الحرية والعدالة والنور (السلفي) للانتهاء من المواد التي لم يتم حسمها، مصدر الخلافات الأخيرة.
في المقابل، قرر عدد من الشخصيات السياسية العامة وممثلون عن أحزاب وحركات على رأسهم صباحي والبرادعي الدعوة للمقاطعة التامة والشاملة لأعمال الجمعية التأسيسية. وأكدوا في بيان وقعوا عليه خلال اجتماعهم الليلة قبل الماضية أن «ما تم تسريبه عن الدستور ينذر بكوارث، ويخالف ما تعورف عليه من هوية الوطن، ويتعارض مع المعايير والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر وصارت ملزمة لها». ودعا البيان كل القوى الوطنية للانسحاب من عضوية التأسيسية وعمل ضغط قانوني وسياسي وشعبي لتشكيل جديد للجمعية يضمن وضع دستور يليق بالقرن الحادي والعشرين وباستحقاقات ثورة 25 يناير، على أن يخرج تشكيلها عن سيطرة رئيس أو حزب وتمثل فيها جميع القطاعات والفئات.

التعليقات