كتاب 11

10:54 صباحًا EET

تأمين السيسي

فتح الدكتور محمد مرسي سترته وابتعد عن حراسه، وتقدم إلى حافة المسرح الذي كان يخاطب منه عشرات الآلاف من مؤيديه في ميدان التحرير في اليوم التالي لانتخابه رئيساً لمصر، ليبرهن لهم ولغيرهم أنه لا يخشى استهدافه، وأنه مطمئن طالما يحيط به الشعب من كل جهة، ولكن سرعان ما تغير الأمر وصار موكب مرسي حين ينتقل من موقع إلى آخر محل انتقاد حتى من بعض مؤيديه، وكانت إجراءات الأمن حوله تغضب بعض الذين انتخبوه، وكان «الإخوان» يردون بأن كل رئيس يحتاج إلى حماية، وأن الجيش والشرطة وأجهزة الاستخبارات والحراس يؤدون واجبهم لا أكثر، علماً بأن «الإخوان» أنفسهم اعتدوا على بعض الناشطين الذين اعتصموا أمام قصر الاتحادية بدعوى تهديدهم للرئيس والشرعية.

يبدو السؤال منطقياً الآن: كيف سيحكم المشير عبد الفتاح السيسي مصر إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل التهديدات التي تحيطه ومحاولات استهدافه من جانب «الإخوان» والجماعات الأصولية الراديكالية؟

منذ أن خلع السيسي رداءه العسكري وأعلن ترشحه للانتخابات لا يظهر إلا فجأة ولا يعرف أحد أين يقيم، ويستقبل زواره في أماكن متفرقة ولا يذهب إلى حفل أو مؤتمر أو منتدى أو لقاء معروف مكانه وموعده سلفاً. وهو أعلن في كلمته الأخيرة بردائه العسكري أن حملته الانتخابية لن تكون تقليدية وفُهم من كلامه أنه لن ينظم مؤتمرات شعبية في محافظات ومدن مصر كعادة مرشحي الرئاسة، وأدرك الجميع أيضاً أن السبب أمني بالدرجة الأولى. فشخص تعرض لكل هذا التهديد لا بد أن يكون على درجة عالية من الحذر والحيطة وأن تُتخذ إجراءات صارمة لتأمينه. بعض محبي السيسي كانوا يفضلون لو استمر وزيراً للدفاع وقائداً للجيش وألا يترشح للرئاسة، وهم اعتقدوا أن تأمينه في مواقع الجيش ووسط الضباط والجنود والأماكن العسكرية أسهل، وأن الخطر سيكون أكبر طالما صار مدنياً حتى لو أصبح رئيساً، وبعض معارضي السيسي «يحسدونه» على كثرة حراسه والإجراءات الأمنية لتحركاته ويطالبون الدولة بأن تعامل باقي مرشحي الرئاسة وخصوصاً حمدين صباحي بالطبع مثله.

بديهي أن تحمي الدولة مواطنيها ولو واجه صباحي أو غيره من مرشحي الرئاسة تهديدات بالقتل واستهدف من جموع «الإخوان» أو «أنصار بيت المقدس» أو غيرها من التنظيمات الراديكالية لوجب على الدولة وأجهزة أمنها أن تؤمنه وتضع له خطط حمايته ومناورات تحركه من موقع إلى آخر. أما السيسي فطبيعي أن يستهدف وما فعله في 30 حزيران (يونيو) واستجابته ومن ورائه الجيش للإرادة الشعبية في الإطاحة بحكم «الإخوان» وضعه في مرمى نارهم ومناصريهم، وهو بالفعل يواجه مخاطر داخلية بل وإقليمية وربما دولية، ولا فرق في مسألة تأمينه إذ صار رئيساً أو بقي وزيراً للدفاع، فهو مطلوب أياً كان موقعه وسيفرض عليه المقعد الرئاسي في المستقبل التزامات تزيد من الخطورة حوله، إذ سيكون معروفاً المكان الذي سيمارس فيه عمله سواء في الاتحادية أو قصر القبة، وسيتعين عليه وفقاً للدستور أن يذهب إلى البرلمان مرتين على الأقل كل سنة مع بداية الدورة البرلمانية، ناهيك عن مؤتمرات ولقاءات يعرف كل الناس أن الرئيس عليه أن يكون على رأس الموجودين فيها، والاختراق الأمني احتمال قائم دائماً ولو بنسبة قليلة، والأخطاء واردة رغم كل الاحتياطات، لكن المخاطر تظل مرهونة بالأداء الأمني خصوصاً والظروف المجتمعية عموماً، غير أن التفاف الناس حول السيسي عن قناعة ومن دون افتعال يقلل كثيراً من الأخطار التي تحيط به. سينحصر الخطر حول السيسي بمرور الوقت بقدر إنجازه واستمرار ثقة الناس فيه، سينتهي الإرهاب إذا تطور الأداء الأمني وتوقف تمويل الإرهابيين بفعل سياسات يعتمدها السيسي تضغط على الدول والجهات و «القنوات» الداعمة للعنف في مصر الراغبة في إعادة مرسي بأي ثمن، وسيتوقف نشاط «الإخوان» في الشارع وعنفهم في الجامعات وحرقهم للسيارات والمؤسسات إذا تحقق على الأرض ما في برنامج السيسي من وعود وخطط وأحلام، وما إذا وجد الشعب ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي تمر فيه مصر الآن، وسيمر موكب السيسي في أمان في شوارع القاهرة وربما غيرها من المحافظات المصرية، إذا صار الرئيس بلا بطانة ولا يحيط به المنتفعون. وإذا ما لاحظ الناس أن رجال السيسي ليس بينهم من كان أداة لنظام سابق أو لساناً لرئيس مخلوع أو عيناً لآخر معزول، سيحمي الشعب رئيسه وسيؤمنه من مخاطر الإرهاب، إذا وجد أن الرئيس يحمي البلد من الفاسدين ولا يعتمد عليهم. كل الرؤساء والزعماء في العالم دائماً مهددون ولكن بدرجات مختلفة، والسيسي سيكون آمناً إذا أمنت مصر من الفقر والجهل والانفلات والفساد، وسيكون محمياً إذا احتمت مصر بالعلم والقانون والحرية والعيش الكريم لأهلها.

التعليقات