كتاب 11
نون النسوة وقوائمها!
تطلع علينا مجموعة غير قليلة من المطبوعات الشرق أوسطية بقوائم عن النساء الأكثر تأثيرا في العالم العربي، أو ما شابه ذلك من عناوين، فيتم سرد أسماء لسيدات لامعات ومميزات في مجال الأعمال والحكومة والمجال الأكاديمي والطب والخدمة الاجتماعية والصحافة والإعلام، وغير ذلك، وجميعهن يستحققن هذا التميز والتصنيف الكريم، إلا أنني وأنا أتأمل في تلك القوائم أسترجع «سيدات» حفرن أسماءهن في الذاكرة الشعبية العربية بامتياز، وأصبحن جزءا أساسيا منها ومن أهم «ركائزها». فمن يستطيع أن ينسى «صفية»؟ التي قال لها الزعيم المصري الكبير سعد زغلول: «غطيني يا صفية، مفيش فايدة». وأصبحت «صفية» مضربا للأمثال في الاستسلام واليأس من الواقع، وباتت شعارا لكل يائس!
وهناك «انشراح»، وهي شخصية على الأرجح من نسج الخيال الخصب، ولكنها مع الوقت تحولت إلى أسطورة مهولة، فهي (بحسب من يأمرها) إما «تزغرط» فيقال لها «زغرطي يا انشراح.. اللي جاي أسوأ من اللي راح»، أو يقال لها «صوتي يا انشراح». و«انشراح» تحولت مع الوقت إلى أيقونة يرمز بها إلى الحال والسخرة والشماتة فيه وتصويره بالأمر الكارثي الذي يستوجب السخرية منه والضحك عليه.
وطبعا، من يستطيع أن ينسى السيدة «ريما» التي دوما ما تعود إلى عادتها القديمة، وطبعا دون أن يستطيع أحد أن يسأل أو مجرد أن يتكهن بعادتها المقصودة هذه! ولكنها مع الوقت أصبحت جزءا محوريا من التفكير الساخر الذي يؤكد أن الإنسان يدور في حلقات مفرغة والتاريخ يكرر نفسه بصورة أو بأخرى، والإنسان لا يتعظ من نفسه ومن أخطائه المتكررة.
وطبعا، هناك الأستاذة العبقرية «تيتي» التي لا تزال معايرتها مستمرة على الدوام ومع مرور الوقت، فيقال لها بمنتهى السخرية والاستهزاء: «تيتي تيتي مثل ما رحتي مثل ما جيتي». وهناك طبعا «أمينة» زوجة «سي السيد» بطل ثلاثية الأديب الكبير نجيب محفوظ، والتي تمثل فيها الصورة المعكوسة لشخصية «سي السيد» المستبد، فهي الخانعة المعدومة الشخصية وتحولت مع الوقت إلى أسطورة في الاستسلام، ولكن هناك الصورة المعاكسة تماما لذلك، وهي أيقونتا الشر والجريمة، وأعني هنا تحديدا «ريا وسكينة»، اللتين تحولتا إلى رمز للمكر والخبث وصارتا مضربا للأمثال بامتياز.
ومن يستطيع أن ينسى أو يغفل الأسطورة «ليلى» التي تحولت إلى «جولييت» العرب، فمن دون ليلى لا يوجد قيس، ولكن يبدو أن ليلى كانت لديها القدرة الهائلة على أن تستنسخ نفسها، فتظهر في جزيرة العرب بطلة لقصة عشق خالدة، وتظهر في العراق يتأسف لحالها ويتغنى بمرضها الشعراء. الشخصية الأسطورية التي نسجت للمرأة في المخيّلة الشعبية توضح «مكانتها»، فهي إما للسخرية والتعجيز، وإما للتندر واليأس وإظهاره.
في كل الأحوال تظهر لنا هذه الأمثلة، أن في «الوعي» أو «العقل الباطن» وجودا للمرأة وشخصيتها، ولكنه وجود يئن تحت طائلة «التصنيف القهري» الذي يضع المرأة في موقع ومكانة دونية، ولكن مع كل هذا التحليل النفسي والاجتماعي والتاريخي فإنه لا يمكن إنكار حجم الابتسامة التي وفّرتها هذه الشخصيات عبر الزمن وأسلوب توظيفها كوسيلة نقد سياسي ساخرة كانت محفزة تارة، وكانت محبطة تارات وتارات.
تحية لكل القوائم الحديثة وبطلاتها المحترمات، ولكن تبقى للقائمة التاريخية «إياها» مكانة أخرى أكثر جاذبية وسحرا.