مصر الكبرى
احتفالات باليوبيل الماسي لجلوس الملكة إليزابيث على العرش
موسيقى في الشوارع ونجوم الغناء في قصر باكنجهام الملكي
كيف نعيد البهجة على الحياة المصرية بعد اضطراب طويل ومحن ؟
كتبت – مروة فهمي : 
يحتفل البريطانيون باليوبيل الماسي لجلوس الملكة إليزابيث الثانية على عرش البلاد . والاحتفالات تنتشر في كل مكان وترافقها مظاهر واضحة في العاصمة والمدن والقرى البريطانية .
ترتبط المناسبة بتولي الملكة العرش البريطاني في عام 1952 ، غير أن المعنى العام الجلي هو ترسيخ المشاعر الوطنية وتعميقها ودعوة المواطنين في أنحاء البلاد لاحتفالات مفتوحة في الشوارع تعبيراً عن بهجة عامة لاستقرار مستمر خلال هذه السنوات .
وقد أثمرت الحقبة الطويلة لحكم الملكة إليزابيث في تنمية كافة المؤسسات وبلورة الشخصية البريطانية بتنوعها ودعوة كل الأقليات للابتهاج أيضاً بهذه المناسبة والمشاركة فيها على أوسع نطاق .
وتستغل المصانع والمتاجر والشركات الكبرى والصغرى مناسبة الاحتفال لترويج بضائع وهدايا مختلفة ومتنوعة تدور كلها حول العلم البريطاني وألوانه مع تصميم الملابس النسائية التي تستوحي شكل العلم الوطني وتعزف عليه من خلال أشكال متنوعة ومتجددة ترضي جميع الأذواق .
وقد ابتدعت المغنية المعروفة جيري هالويل العضو السابق في فريق < سبايس جيرلز > عدة تصميمات مبتكرة للاحتفال باليوبيل الماسي وتعرض متاجر مشهورة وراقية هذه التصاميم .
وعندما أدخل المحلات التجارية مهمة كانت صغيرة أو كبيرة أجد الركن الخاص باحتفالات اليوبيل الماسي ووجود قبعات وأزياء وأعلام وصور للملكة إليزابيث ذاتها وأفراد عائلتها ، خصوصاً النجمة الساطعة الجديدة كيت ميدلتون ، التي ترى صورها في كل مكان وعلى أغلفة مجلات وكتب صادرة عنها هي وزوجها دوق كمبريدج الأمير وليم بمناسبة مرور عام على زواجهما .
وتهتم الصحف الشعبية بوجه خاص نشر موضوعات وتحقيقات بشأن الثوب الذي سترتديه كيت ميدلتون يوم الاحتفال باليوبيل الماسي . وهي الآن محل اهتمام كاميرات الصحافة والإعلام حيث تتبعها أينما ذهبت .
وعندما ذهبت إلى متحف الصور الشخصية الذي أحب دائماً زيارته عندما أكون في قلب لندن ، عثرت على عشرات الكتب عن الملكة إليزابيث ترصد لقطات من حياتها وهي شابة صغبرة ، ثم تسجيل حفل تتويجها ووضع تاج البلاد على رأسها . وتتابع الكتب المختلفة مسيرة حياة ملكة البلاد مع زوجها الأمير فيليب ورحلات لهما في الخارج إلى إفريقيا والولايات المتحدة ودول الكومنولث التي تتولى ملكة بريطانيا رئاستها .
يخصص متحف البورتريه جاليري عدة أجنحة لمتابعة مشوار الملكة البريطانية ويلقي الضوء على عائلتها ، خصوصاً بروز دوقة كمبريدج كيت ميدلتون واهتمام الرأي العام بمتابعة خطواتها والتعاطف معها والتعلق بأسلوبها الجذاب خصوصاً للأجيال الشابة .
ما يلفت النظر هو تحويل مناسبة تتويج الملكة منذ 60 عاماً إلى احتفال كبير يبث البهجة في الشارع وقلوب المواطنين . ودعوة الفرق الموسيقية للعزف في الميادين وتنظيم احتفالات في المدن وكافة الشوارع البريطانية مع حلول هذا اليوم الذي يتحول إلى عطلة رسمية لكل المواطنين للمشاركة والابتهاج . ولا أذكر على الإطلاق وجود تظاهرات من هذا النوع في بلادنا ، تدعو الناس للاحتفال والفرح .  حتى عيد شم النسيم الموجود منذ الفراعنة ، يحاول بعض أدعياء النكد والغم ، الدعوة إلى إلغائه وبث في قلوب المصريين الشعور بالرهبة والخوف إذا خرجوا إلى الحدائق كما اعتادوا ومارسوا أكل البيض الملون مع الملانة والفسيخ والبصل .
كان هذا العيد يأتي بالبهجة لكل المصريين ، لكن هناك سحابة تحاول الإيهام بالشك ونشر بعض الأفكار الخبيثة التي هدفها منعنا من ممارسة الحياة حتى نكرهها وندخل الكهوف ونغلق على أنفسنا الأبواب ونرفض الخروج باعتبار أن هذا العيد وغيره من الأشياء المكروهة في عرف هؤلاء البشر وتحليلاتهم المرهقة والصعبة والثقيلة على القلوب .
هنا رأس الدولة ذاتها تدعو البريطانيين للبهجة والفخر والاستماع إلى الموسيقى وممارسة اللهو البرئ وجعل الأمة كلها تخرج إلى الشارع رافعة الرأس للاحتفال بعيد جلوس الملكة على العرش  والابتهاج العارم بهذه المناسبة .
أحفاد الملكة من جيل الشباب وعلى رأسهم الأمير وليم مع شقيقه هاري سينظمون حفلات كبرى في حدائق قصر باكنجهام الملكي . وقد دعوا إليها المواطنين ، فهم ضيوف القصر والملكة ويمكن اصطحاب أطفالهم للاستماع إلى نجوم الغناء في بريطانيا والأسماء العملاقة اللامعة من أول السير بول ماكارتني إلى زميله السير إلتون جون ، مع مجموعة كبيرة من الشخصيات الغنائية التي حققت شهرة على مستوى العالم كله .
ضيوف وليم وهاري من المواطنين سيشاركون الملكة إليزابيث احتفالها بالعيد واليوبيل الماسي ، مع غناء توم جونس وشيرلي باسي وآخرين سيساهمون في مهرجان البهجة الوطني البريطاني بهذا الحجم من الأعلام الموجودة في الشوارع والطرقات والميادين ، ورفع إسم بريطانيا في حالة من الزهو والكبرياء .
ونحن في بلادنا لدينا عشرات المناسبات الجميلة التي يمكن الاحتفال بها والخروج إلى الشارع للغناء بدلا من هذا الصدام العنيف الذي يؤدي إلى جرحى وقتلى وتخريب وإلقاء زجاجات حارقة بالإضافة طبعاً إلى الحجارة في حالة المبارزة المستمرة لاكثر من عام حتى الآن .
ياليت بعد انتخاب رئيس الجمهورية والاتجاه إلى الاستقرار أن نفتح باب الفرح الغائب عن حياتنا . لماذا لا نحتفل بذكرى للخديوي إسماعيل الذي شيد منطقة وسط القاهرة بشوارعها الجميلة وهذه العمارات الرائعة التي تطل على ميدان التحرير . كما إنه وراء وجود حدائق الأزبكية وله سجله الحافل في إعمار مصر ، وهو الذي كلف الموسيقار الإيطالي < فيردي > بكتابة أوبرا < عايدة > لتعزف في افتتاح قناة السويس .
وليس الخديوي إسماعيل فقط الذي يمكن أن نحتفل بتاريخه ، فهناك جده محمد علي الكبير ومشروعاته الكبرى مثل القناطر الخيرية وخزان أسوان .  ومن الأسماء اللامعة في حياتنا شخصيات أنارت مصر بعقلها وفكرها وفنها مثل نجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وتوفيق الحكيم وعشرات تحتفل بهم الذاكرة المصرية .
لماذا لا نفكر في فتح صفحة جديدة بعد استقرار الديمقراطية بانتخاب رئيس ، نأمل أن يكون مدنياً ويحلم مثلنا بمصر المتجهة نحو فضاء العلم والحرية والفن بكل أشكاله .
أحلامنا أن يحتضن الوطن كل أبنائه وندخل في حقبة جميلة جديدة تعيد الأمن والأمان لبلادنا التي نعشقها ولا نفكر إلى في رخاء يعم أرضها ويتدفق على كل مواطن فيها .
احتفال البريطانيون باليوبيل الماسي يجعلهم ينظرون إلى بلادهم بفخر ، لأن النظام يعمل لصالح كل مواطن ويرعاه ويحاول توفير الأسباب التي تجعله ينتج ويتعلم ويتثقف ويبدع في النهاية من أجل رفاه بلاده وأمنها وتحقيق نهضتها حتى يعم خيرها على الجميع .
نحن أيضاً نحب بلادنا ونتغنى بها ليل نهار ، لكن من الأهمية البالغة تحويل هذا الحب إلى طاقة تزرع الصحراء وتشيد دور الأوبرا كما كان يحلم الشاعر المصري الراحل صلاح جاهين .
أتابع احتفالات بريطانيا باليوبيل الماسي والتي ستصل إلى قمتها في شهر يونيو المقبل . ولكن منذ الآن وقبل ذلك تجري الاستعدادات على قدم وساق وكل اجهزة الدولة تعمل والعقول الشابة تفكر والمهرجانات يتم تنظيمها بحيث تكون هناك مئات الفرق الموسيقية من كلاسيكية وحديثة ومعاصرة لتتواجد مع الناس في يوم البهجة المقبل .
ونحن في بلادنا نستطيع إعادة البهجة إليها بمهرجانات تعيد الزهو بتاريخنا كله وبالمراحل المختلفة التي مر بها ، لا ننبذ هذه الفترة أو نهمل تلك المرحلة المعينة ، فكل طوبة تم وضعها في بناء ما هو فعل لصالح مصر ونهضتها ، وعلينا إعادة الثقة والزهو لأنفسنا ولبلادنا ونخرج من حالة الهزيمة والانكسار وننظر إلى مصر بفخر ، لأن التاريخ عاد إلينا وأصبحنا نملكه في أيدينا . لكن المهم إزاحة كل الأفكار الفاسدة من انغلاق وقمع وتزمت ، لأن الفجر المصري الذي انطلق هو من أجل الحياة والتنعم بها والخروج على قيود تم تدميرها بالكامل .
البريطانيون يحتفلون باليوبيل الماسي وهذا حقهم في زرع البهجة . ونحن نملك أيضاً عشرات المناسبات الرائعة التي يمكن تحويلها إلى احتفالات ودعوة فرق الموسيقى للعزف في الميادين وجعل الشعب المصري يغني مرة أخرى ، إذ ظل يبكي لسنوات طويلة ، والبعض يتحدث عن قرون من البكاء بسبب القمع والكبت والاستبداد