مصر الكبرى
وماذا إذا سقط العسكر؟
 
يبدو المشهد المصري، قبل نحو أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، ضبابياً اختلط فيه الحابل بالنابل، والأبيض بالأسود، والحق بالباطل، والصحيح بالخاطئ، والظلم بالعدل، حتى باتت مخاوف من تفكك الدولة بين البسطاء البعيدين من مراكز صنع القرار، أو التأثير فيه، أو الظهور في الفضائيات أو الكلام في القاعات جدية. هل هناك شك في أن كل أطراف اللعبة السياسية في مصر وقعوا في أخطاء فادحة منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن، ما أدى بالبلاد إلى الحالة التي وصلت إليها الآن؟
الإجابة المنطقية هي نعم. وتستدعي سؤالاً آخر: هل أقرت أي قوة سياسية، أو حركة، أو حزب، أو ائتلاف، أو جهة سياسية، أو سيادية، مرة واحد بأنها أخطأت، حتى دون قصد، وأنها تدرس أسباب الخطأ، وستعمل على تلافيه مستقبلاً؟ الإجابة القطعية هي: لا. فكل الأطراف على المسرح السياسي المصري تريدنا أن نقتنع بأنها تفعل الصح وأنها لا تخطئ، وأن الأطراف الأخرى أو بعضها مخطئون ويخطئون وسيخطئون في المستقبل. كما أن كل طرف يوحي لنا بأن الشعب في صفه، وأنه المُعبر عن إرادته، والمحقق لرغباته، والمنفذ لأوامره، والساعي إلى تحقيق أهداف الثورة دون باقي الأطراف. الكل يسعى إلى الحديث باسم مصر، وكأنه هو مصر. يبدو هتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر» جاذباً للمتحمسين الرافضين أن يُحكموا بالجيش، أو الذين رصدوا أخطاء وقع فيها المجلس العسكري في إدارته أمور البلاد، أو المتحفظين على أداء أعضاء المجلس، أو حتى طريقة كلامهم، أو الغاضبين من وقوع الشهداء أو الجرحى في كل احتكاك أو صدام، أو الذين لديهم شكوك في نيات العسكر، أو من يرون أن أعضاء المجلس العسكري راغبون في السلطة حتى ولو بطريقة غير مباشرة. كما أن القوى المدنية ترى أن سلوك المجلس العسكري وسياساته كانت وراء اكتساح الإسلاميين الانتخابات البرلمانية، واستبعادها من المشهد أو التأثير فيه، وما تبعها من تداعيات تتعلق بقضية الدستور. وبالتالي فإن مخاوف الليبراليين من تكرار الأمر في الانتخابات الرئاسية تبقى مبررة. وحين كان هؤلاء يرددون الهتاف: «يسقط يسقط حكم العسكر» كان الإسلاميون يعارضونهم بل كثيراً ما يتهمونهم بالعمل على إسقاط الدولة. وعندما جاء الوقت الذي هتف فيه الإسلاميون الهتاف نفسه بعدما اصطدموا بالعسكر من دون أن يقروا بأنهم أخطأوا من البداية، وكيف يقرون بخطأ وهم ببساطة لم يروا أحداً من القوى المدنية يعترف بأنه وقع في خطأ أو سوء تقدير، رغم ذلك لم يسأل أحد من رموز الثورة أو القوى السياسية أو النخب نفسه السؤال: ماذا بعد سقوط العسكر.. إذا سقطوا؟ فالفترة الانتقالية عكست شططاً سياسياً بالغاً وإصراراً لدى القوى السياسية على الاستحواذ وإقصاء الآخرين حتى بات الاتفاق على تشكيل لجنة تتولى كتابة الدستور حلماً غير قابل للتحقيق!! هل سيتفق هؤلاء على طريقة لنقل السلطة إلى إدارة مدينة؟ فتجربة كل القوى خلال الفترة الانتقالية لا تبشر بخير، وتظهر أن سقوط العسكر ورحيلهم عن السلطة سيتبعه سلوك غير رشيد من القوى الفاعلة على الساحة بل إن شعوراً يسود بأن صراعاً على السلطة سينشأ وأن قوى بعينها ستسعى لتحل محل العسكر!! بالأمس استأنف مجلس الشعب (البرلمان) جلساته بعد أسبوع من التوقف احتجاجاً على عدم إقالة حكومة الجنزوري وظهر سلوك أعضاء البرلمان وكلامهم وخطبهم وأفعالهم عاكسة للحالة المصرية قبل الانتخابات الرئاسية. واللافت أن اعضاء البرلمان ورئيسه يحتجون عادة على تناول وسائل الإعلام لما يجري في قاعته الكبرى رغم أن الإعلام لا يعرض إلا ما يحدث وغالبيته مثير للأسى… أو الضحك الذي هو كالبكاء.