عرب وعالم

01:43 مساءً EET

قبيلة قطرية شردها خليفة بن حمد لترسيخ انقلابه على أبيه

دولة قطر هى إحدى دول المنطقة التى تحوى كثيرًا من القبائل والأسر العربية وغير العربية، والتى نزحت إليها من دول الجوار طلبا للأمان وسعيا لطلب الرزق، ومنها قبيلة آل مرة ذات الجذور الضاربة فى أعماق قطر، وأكثرهم عددًا منذ مئات السنين، وقد كانت علاقتهم بأسرة آل ثانى علاقة حميمة منذ عهد المؤسس الأول للدولة الشيخ قاسم بن محمد آل ثانى رحمه الله، ومن تبعه من الأسرة الحاكمة إلى يومنا هذا، وشاركوا فى كثير من المشاهد التاريخية للدفاع عن قطر، وساهموا مساهمة فعالة فى بناء الدولة منذ نشأتها، ولم يكن فى يوم من الأيام ذرة شك فى وطنيتهم طبقا لواقع المكان والزمان.

وبعد نيل الاستقلال عام 1971م وما تلاه من تولى الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى مقاليد الحكم فى قطر عام 1972م، فتح الباب لمن لديه الرغبة فى اكتساب الجنسية القطرية من أقارب القبائل والأسر المعروفة فى الدولة، وذلك عن طريق معرفين معتمدين من وزارة الداخلية دون التحقق أو المطالبة بما لديهم من جنسيات سابقة.

وفى عام 1995م صدرت تعليمات شفهية من وزارة الداخلية عن طريق أعيان القبائل والأسر، وبدون إعلان رسمى من الجهات المختصة، بأنه على من كان يحمل جنسية سابقة للجنسية القطرية أن يسلمها لإدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية، وذلك منعا لازدواج الجنسية، فتجاوب الكثير من المواطنين مع تلك التعليمات ثقة فى صاحب القرار ومصداقية فيمن نقل تلك التعليمات من الأعيان، وتحفظ البعض الآخر لعدم وضوح التعليمات لكونها شفهية، واعتقد جازما بأن الدولة لا تدار إلا بقرارات واضحة ومعلنة وبطرق رسمية.

وفى العامين 1995م/1996 م وما جرى فيها من عزل للحاكم الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى، وتولى الابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى مقاليد الحكم، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التى أرادت إعادة الحاكم السابق للسلطة، والتى قام بها بعض ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة، المؤلفة من جميع شرائح المجتمع، والذين يرون أن الشيخ خليفة هو الحاكم الشرعى للدولة، وأدوا القسم القانونى بالولاء والطاعة له.

وحيث إن عدد من شارك فى تلك المحاولة من الضباط والأفراد هم من قبيلة آل مرة، يعتبر كبير نسبيا بمقياس النسبة والتناسب لعدد السكان، مقارنة بعدد من شاركوا من القبائل والأسر الأخرى، فقد الصقت بهم تهمة التحريض والقيادة، وتم تبرئة ساحة الآخرين لاعتبارات اجتماعية أو قرابة بعض المسئولين فى الدولة لبعض من شاركوا، علما بأن القائد والمحرض الأول هو الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى الحاكم السابق.

لذلك زج بأكثرهم فى السجون، وبدون محاكمة، ولفترات طويلة، حيث مورست عليهم صنوف التعذيب والإهانة، ومن ثم تمت إحالتهم إلى القضاء، والذى افتقد فى بعض أحكامه إلى العدالة، وصدور كثير من التناقضات فى الأحكام، والبعض الآخر منع من دخول البلاد لفترات طويلة، ومن بعد ذلك أسقطت جنسياتهم، والبعض الآخر لما علم أن جنسيته أسقطت، وهو فى خارج البلاد وممنوع من دخولها، تجرأ وفرض أمره كواقع على المنافذ البرية والمطارات، فقامت الأجهزة الأمنية بوضعه فى سجن الإبعاد، كمجهول للهوية، ومع العمالة السائبة، ثم تصرفت الدولة مع كل من له صلة قرابة قريبة كانت أم بعيدة، حتى وإن كان يحمل جنسية دولة أخرى بتصرفات لا تعكس الصورة الحقيقة للدولة الحضارية، دولة القانون والعدالة أو دولة الحرية والديموقراطية التى تزعم أنها أحد أعمدتها.

وتمثلت الإجراءات التعسفية بإنهاء خدمات الكثير من الموظفين والعسكريين من أبناء قبيلة “آل مرة” دون غيرهم، ممن أدرجت أسماء أقربائهم فى العملية الانقلابية، فضلا عن حرمانهم من الوظائف المدنية الأخرى، ثم تطور الإجراء إلى منع أبنائهم من الالتحاق بالوظائف المدنية عند اكتمال دراساتهم الثانوية أو الجامعية، وذلك عن طريق عدم تحرير شهادة حسن سيرة وسلوك، والتى بموجبها يتم قبول طلبات التوظيف، وكذلك مورست ضغوط نفسية على من هم على رؤوس أعمالهم المدنية.

واستمر ذلك التعسف والقهر من 1996م حتى عام 2004م، حين صدر القرار التعسفى الكبير، والذى ينص على إسقاط الجنسية عن عدد كبير جدا من ضمن أبناء قبيلة آل مرة، ليتبع ذلك إنهاء خدمات من هم على رؤوس أعمالهم، ومطالبتهم بتسليم المساكن التى يقيمون فيها كمواطنين، وقيام الجهات الأمنية بدور نشط لم يسبق له مثيل حتى فى التعامل مع أصحاب الجرائم والسوابق، وذلك بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل فى البيوت، والتهديد بالاعتقالات، والمداهمة الفعلية لحرمة البيوت، واعتقال بعض الأشخاص من المساجد.

واتهمت إدارة الهجرة والجوازات القطرية بأن هؤلاء يحملون الجنسيتين القطرية والسعودية دون غيرهم من القبائل، والأسر الأخرى، وهذا كذب وافتراء، لأن بعض القبائل لا تزال تحتفظ بالجنسية السعودية والبحرينية والإيرانية، وسارية المفعول، ولم يتصرف معهم بأى إجراء لأسباب معروفة لمن له قلب سليم، وهذا الاتهام يسمى بالمصطلح الحديث “التمييز العنصرى”.

يذكر أن المادة 18 من الدستور القطرى الدائم تنص على أن المجتمع يقوم على دعامات العدل والإحسان والحرية والمساواة ومكارم الأخلاق.

والمادة 19 تنص على صيانة الدولة لدعامات المجتمع وكفالة الأمن والاستقرار وتكافؤ الفرص للمواطنين.

والمادة 20 تؤكد توطيد روح الوطنية والتضامن والإخاء بين المواطنين كافة.

لذا فأين حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية التى ينشدها كل أفراد المجتمع القطرى، بل وكل شرفاء العالم فى شتى بقاع الأرض من هذه المظالم تجاه (آل مرة) الذين أصبحوا فى حالة لا يحسدون عليها من الظلم والشقاء حتى فى القوت اليومى لبعض الأسر الفقيرة والمتعففة التى تم وقف رواتبها من قبل حكومة الدوحة، وحتى الجمعيات الخيرية وصندوق الزكاة والتى تمول من أهل الخير والمحسنين فى قطر، والتى تقدم خدماتها للعالم الخارجى لم تعترف بأحقيتهم فى المساعدات الخيرية، وذلك مجاراة لصاحب القرار المدمر.

ومن أساليب الضغط التى استخدمتها الدوحة استبدال الوثائق التى تنص على أن “آل مرة” قطريون، حيث وضعوا بدلا عنها وثائق تشير إلى أن الجنسية الحالية سعودية، مبينين أن التعديل كان من قبل الحكومة القطرية وحدها بدون وجود أى أوراق رسمية سعودية، وأنه بعد أن تم تغيير جميع الأوراق ألقى بهم إلى الحدود السعودية، حيث وجدها فى البداية أمام مجموعات بشرية تجاوزت 5 آلاف نسمة يحملون أوراقا قطرية تفيد بأنهم سعوديون، بينما لا يحملون أى مستند قانونى سعودى يؤكد ذلك، وأمام المأزق الإنسانى قبلت السلطات السعودية دخولهم إلى البلاد.

أما الأحوال المعيشية الحالية لـ “آل مرة” فيمكن تلخيصها، حسب كلام عدد منهم، فى انقلاب كلى فى حال المعيشة، فمن مواطنين فى بلد خليجى ثرى يحظى مواطنوه بمستوى معيشى يصح تسميته بالرفاهية، أصبحوا اليوم فاقدى هوية، لم ترحب بهم إلا الصحراء، والتى لم تتعود، على ندرة ما تقدمه، طرد من يلجأ إليها. فهم الآن يسكنون فى منطقة صحراوية بين مدينتى الهفوف والدمام على مسافة داخل الصحراء تقارب 25 كيلومترًا فى بيوت شعر وخيام تلفحهم الشمس الحارقة، أما الماء الذى يشربونه فهو الماء الراجع من عمليات تبريد مكائن استخراج النفط القريبة منهم، حيث يتركونه لساعات تحت ظلال الخيام، حتى يبرد، مع علمهم بأن هذا النوع من المياه ضار، لكن لا سبيل إلى غيره فى الصحراء الفقيرة منه.

أحد أعيان قبيلة “آل مرة” أعلن فى تصريحات صحفية أنه مستعد لعمل أى شىء يرفع معاناة قومه، لافتًا إلى أنه مستعد لتقديم اعتذار رسمى عن محاولة الانقلاب للحكومة القطرية إن كان هذا مطلبها، مؤكدا أن ما يشغله حاليا هو العمل على حل المشكلة الإنسانية التى يتعرض لها أبناء القبيلة، مفيدا بأنه يعلم أن بعض المقربين من الحكم هم من دفعوا إلى اتخاذ هذا القرار بغية ترهيب بقية شرائح المجتمع.

وناشد صاحب السمو الملكى الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس برنامج الخليج العربى لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنسانية ورئيس مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، القيادة فى دولة قطر، النظر بعين الإنسانية للظروف الصعبة التى يعيشها آلاف القطريين من قبيلة (آل مرة)، الذين وجدوا أنفسهم فجأة فى الصحراء، بعد قرار سحب الجنسية منهم، ومطالبتهم بالخروج من البلاد.

ووجه الأمير طلال نداءً إلى صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى أمير دولة قطر دعاه فيه إلى العمل على معالجة هذا الموضوع بذات الروح الديمقراطية التى تصبغ توجهات دولة قطر، وبنظرة تقدير لمعاناة هؤلاء الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعى لدولة قطر.

يذكر أن اللجنة الدولية للدفاع عن المتضررين والمهجرين القطريين من قبيلة آل مرة، ناشدت فى بيان أصدرته فى لندن، أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى دفع الظلم الذى لحق بمواطنيه من قبيلة آل مرة ورد اعتبارهم.

ودعت اللجنة كافة الشرفاء والغيورين من مناصرى حقوق الإنسان إلى مناصرة ومؤازرة إخوانهم من آل غفران المتفرعة من قبيلة آل مرة فى محنتهم التى يمرون بها.

ووصف بيان اللجنة ما أقدمت عليه السلطات القطرية من تشريد وطرد وسجن وحجر على الأموال، وفصل من جميع الوظائف وقطع الماء والكهرباء والهاتف، وإخراج المرضى من المستشفيات، ومنع آل غفران من التصرف بأملاكهم الخاصة، بأنه انتهاك فاضح لحقوق الإنسان، حيث جرى تشريد فرع كامل من قبيلة آل مرة بشكل موغل فى التمييز العنصرى، وتجريدهم من مواطنيتهم التى طالما اعتزوا بها، بل إنهم كتبوا جزءاً كبيراً من تاريخ قطر بدمائهم وعروقهم.

وذكر البيان أن هذا القرار انتكاسة وتراجع فى مسيرة التنمية الديموقراطية فى قطر وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان، حيث شرد فرعاً كاملاً من قبيلة آل مرة بشكل موغل فى التمييز العنصرى، وهجرهم من تراب وطنهم الذى تعشقوا حبه وتربوا على الوفاء له، وجردهم من مواطنيتهم التى طالما اعتزوا بها، وعزلتهم من وظائفهم وتركتهم بلا مصدر رزق.

إن الإجراءات القطرية الظالمة والتعسفية ضد قبيلة “آل مرة” أساءت إلى الصورة التى تريد أن تظهر بها الدوحة أمام العالم الغربى، خاصة أنها تدعى أنها الدولة الوحيدة القادمة بقوة بلغة عربية وجنسية شرقية فى اتجاه الديمقراطية، والسير فى ركاب الغرب.

التعليقات