آراء حرة

08:22 صباحًا EET

عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب : موت بنكهة الربيع

لن يستطيع بعد اليوم عاد أن يحصي أهل الجحيم، فقد رحل الرجل الذي شغل رواد كنيسة ويستبورو بابتيست والأمريكيين والعالم بإحصائياته الكاذبة عن أصحاب الشمال. وبإمكان الجنود الأمريكيين اليوم أن يعودوا إلى مساقط رؤوسهم ملفوفين في علم مطرز بالنجوم البيضاء دون أن تستقبلهم اللافتات التي تبشرهم بالجحيم عند صالات الانتظار. كما يستطيع الشواذ أن يمارسوا لهوهم غير المباح في أزقة نيويورك دون حياء، ودون أن يخشوا ملاحقة فريد فيلبس، فقد قرر الرجل أن يرحل فجأة، بعد منتصف ليل الخميس الفائت إلى ما قدم.

لكن أحدا لم يقف على قبر رسول الكراهية رافعا لافتة تبشر بالجحيم كما اعتاد فريد أن يفعل مع الجنود الأمريكيين الذين “أغضبوا الرب وأفسدوا العالم”. ولن تقف السيدة سوريفونج عند منصة تأبينه هازئة ممن استقبل جثة ولدها بلافتة “الرب يكره فاجز”. لكن المرأة الثكلى لم تخف بريق عينيها أما الكاميرا وهي تقول: “نعم، أنا سعيدة بموته. أعرف أن كلماتي قاسية، لكنها ليست أشد قسوة منه.”

ولم يقف نيت فيلبس الابن على قبر أبيه لتلقي التعازي لأنه ببساطة لم يكن هناك ثمة معزين. فالشاب الذي كفر برسالة أبيه تفصيلا وبكافة الرسالات السماوية جملة يجد اليوم ما يشغله عن راحل لم يترك في رأسه ما يستحق من ذكريات. لكنه يتمنى أن يستبدل الشانئون مشاعرهم بالتسامح حتى لا يقعوا في حمأة الكراهية التي لطالما تردى فيها أبوه، ويقر في الوقت ذاته بأنه يتفهم المشاعر السلبية التي خلفها أبوه في نفوسهم.

كما يستطيع الأردني الغيور الذي خصص خمسة عشر ألف دينار من ثروته ثمنا لرأس فريد الذي أحرق المصحف بيدين باردتين ليستنشق أتباعه دخان الكراهية في “بيت الرب” أن يحتفظ بالمبلغ كاملا ، فقد نفذ ملك الموت المهمة دون مقابل ودون اتفاق. ويستطيع مسلمو المشرق والمغرب أن يتبادلوا التهاني لموت فريد وقدوم الربيع. فقد رحل الرجل الذي ترك في حلوقهم آلاف الغصات بعد أن أحرق المصحف والعلم الأمريكي داخل كنيسة خرجت على القانون الكنسي وقوانين الأخلاق في الحادي عشر من سبتمبر عام 2010، متحديا مشاعر الأمريكيين والمسلمين في العالم.

لكن فريد الذي أراد أن يفتن المسلمين عن “قرآنهم المزيف”، وصرخ في وجوههم في غير مناسبة:الرب يكرهكم ويكره دينكم،” لم يفتن أحدا عن دينه، ولم يدخل “المنحرفون” في دينه أفواجا، ويقبلوا يمينه طلبا للصفح كما كان أمل وتمنى، ولكنهم ازدادوا إيمانا مع إيمانهم، وعضوا على رماد قرآنهم بالنواجذ. كما لم تقف الكنيسة القبطية من تصريحاته موقف الساكت عن الحق، بل أنكرت فعلته، وتبرأت من إثمه مؤكدة أن الكاهن فيلبس لا يمثل إلا نفسه. 

رحل قس ويستبورو إذن ليغير إحصائيات أهل الجحيم، لكن أقاربه الذين طردوه من كنيسته الأثيرة إلى عام من الوحدة التي لطالما تحاشاها، لم يقفوا في طابور واحد ليهيلوا فوق جسده المقدد وذكراه المخجلة التراب، ولم يقف المشيعون عند قبره للتباكي، لأن أحدا من المودعين لا يذكر الرجل بخير. كما لم يرقص الممثل الأمريكي جورج تاكي طربا فوق ثراه، ولم يحمل لافتة عند رأسه تقول “الرب يكره فريد،” وإن كان الأمر مغريا للغاية باعتراف تاكي، لكنه اكتفى بما حصده الرجل من مشاعر بغيضة لازمته من المهد إلى كفن غير مطرز بالنجوم البيضاء.

وإن كان من بين الأحياء ثمة رجل يأسى لرحيل فريد، فهو نيت الإبن، لا لأنه يحمل فيضا من المشاعر الطيبة نحو أبيه، ولكن لأنه كان يتمنى في نفسه لو عادت المياه الآسنة بينهما إلى السريان ليتمكن من إلقاء تحية الوداع على رجل استطاع أن يحافظ على خلافاته معه حتى الرمق الأخير.

Shaer129@me.com

التعليقات