مصر الكبرى

10:10 صباحًا EET

حمدى قنديل يعلن تأييده لصباحى رسميا‎

 
كتب إخاء شعراوى  قررت هذا الأسبوع أن أحسم أمرى بالنسبة لانتخابات الرئاسة.. بالطبع سوف أختار واحدا من مرشحى الثورة.. مرشحو الثورة هم أولئك الذين كانوا بيننا فى ميادين التحرير فى يناير.. هم – بالترتيب الأبجدى – أبوالعز الحريرى وحمدين صباحى وخالد على وعبدالمنعم أبوالفتوح وهشام البسطويسى.. لم أدرج الدكتور سليم العوا بين هؤلاء لأن قيمته عندى كمفكر وطنى تفوق بكثير وزنه كمرشح رئاسى.. كنت أطمح بعد ثورة عظيمة كثورة 25 يناير أن تتسع القائمة بحيث تضم وجوهاً أخرى من وجوه الثورة الناصعة بدءاً بقامة علمية كبيرة كالدكتور محمد غنيم (المؤسف أن قانون الانتخابات يستبعده لأنه متزوج من أجنبية)، وحتى قامة عمالية كبيرة مثل كمال أبوعيطة الذى يذكرنى بـ«دا سيلفا»، ماسح الأحذية الذى قاد نهضة البرازيل فى السنوات الأخيرة.

للأسف لا يتعدى عدد المرشحين الثوريين خمسة فقط.. بين هؤلاء المرشحين اضطررت حتى أصل إلى قائمتى الخاصة القصيرة أن أنحى ثلاثة منهم جانباً، خالد على الأكثر شباباً، الذى اعتبرته مشروعاً مؤجلاً لانتخابات رئاسية مقبلة، وهشام البسطويسى الذى لم تتح له ظروف عمله فى الكويت أن يشارك فى المعركة مشاركة جدية، وأبوالعز الحريرى، نائب كرموز، الذى جنت عليه إقامته خارج القاهرة فى مجتمع محاصر فى شرنقة العاصمة رغم أن تاريخه فى العمل السياسى أطول وأعرض من الباقين جميعاً منذ كان أصغر النواب سناً فى برلمان 1976.. فى كل الأحوال لابد أن يكون لثلاثتهم مكان ما فى المؤسسة الرئاسية الجديدة.
يتبقى الثنائى «أبوالفتوح» و«صباحى» اللذان كانا يمكن أن يشكلا فريقاً رئاسياً نموذجياً يخوض الانتخابات ككتلة واحدة باسم الثورة، يمثل أطياف المشاركين فيها، ويضمن حداً أدنى من التوافق بينها، ويضع أقدامنا على بداية طريق الاستقرار، لكن مشروع الفريق فشل.. اضطررت للمفاضلة الأليمة بينهما.. كلاهما لديه كل عناصر النجاح الشخصية.. مسيرة نضال مرموقة، ودراية واسعة بكواليس العمل السياسى، وثقة بالنفس دون غرور، وانفتاح مشهود على قوى المجتمع الفاعلة، ونبل واستقامة وعزيمة.. «أبوالفتوح» له عندى إعزاز ومكانة خاصة منذ خرج فى التسعينيات من السجن، و«صباحى» تجمعنى به مهنة الصحافة منذ زمن، ويربطنى به ما هو أهم، إيمانه بروح التجربة الناصرية مع إدراك واع بما لها وما عليها.. حاولت ألا يكون هذا الانحياز هو العامل الحاسم فى الاختيار.. الانحياز يجب أن يكون لـ«يناير» لا لـ«عبدالناصر»، رغم أن الثورة استلهمت مبادئه فى شعاراتها المنادية بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، كما أن صوره لم تغب عن ميدان التحرير.
شاركت فى اليومين الكبيرين للصديقين العزيزين، اليوم الذى عرض فيه «أبوالفتوح» برنامجه فى حديقة الأزهر، واليوم الذى قدم فيه «صباحى» أوراق ترشحه للجنة الانتخابات الرئاسية، وزرت «أبوالفتوح» فى المستشفى عقب الحادث الذى تعرض له، كما زرت «صباحى» فى مقر حملته.. مع ذلك ظلت حيرتى.. حاولت اللجوء فى المفاضلة بينهما إلى مقياس آخر، من منهما لديه فرصة أكبر للنجاح.. صعب أن تعرف تماماً من الذى لديه هذه الفرصة، خاصة أن استطلاعات الرأى العام فى مصر لا تتمتع بمصداقية كافية، لكن هناك الكثير من المؤشرات التى توحى بأن فرصتهما متقاربة.. صحيح أن «أبوالفتوح» يبدو الأوفر حظاً، لكن أسهم «صباحى» صعدت بسرعة ملحوظة فى الأيام الأخيرة.
فى الأيام الأخيرة اعتصم مؤيدو حازم أبوإسماعيل فى ميدان العباسية وأعلنوا أنهم سيحاصرون وزارة الدفاع، وأنهم مستعدون للشهادة حتى يصلوا به إلى كرسى الخلافة.. ارتفعت فى الميدان رايات غريبة، وعلت صيحات تنادى بتطبيق شرع الله وتندد بالنظام الكافر، ووزعت منشورات تعلن الجهاد ضد البرلمان وضد الرئاسة القادمة، وانتشر ملثمون يرتدون أقنعة سوداء، وظهر بعض رموز المتشددين مثل شقيق الدكتور أيمن الظواهرى زعيم القاعدة، ومثل الشيخ أبوالأشبال الذى طالب المعتصمين باقتحام وزارة الدفاع والقبض على أعضاء المجلس العسكرى وإعدامهم لأنهم «لا يعرفون الله».. فى ميدان التحرير سمعنا الصدى «خيبر خيبر يا مشير، جيش محمد فى التحرير».
أعرف أن أطيافاً فى تيار الإسلام السياسى رفضوا الاعتصام أمام وزارة الدفاع، مثل حزب النور ومثل الدعوة السلفية ومثل الجماعة الإسلامية، لكن الاعتصام الذى أدى إلى كارثة فيما بعد تم بدعوة من حازم أبوإسماعيل وبتحريض من أطياف إسلامية أخرى فى مقدمتها الإخوان.. سيقال إن أبوإسماعيل تبرأ من الاعتصام، لكنه كان فى حقيقة الأمر قادراً على أن يذهب بنفسه إلى هناك لإيقاف مؤيديه بما له عليهم من سلطان.. سيقال إنه مصاب فى قدمه ولا يستطيع الحركة وإنه ألغى لقاء الجمعة مرتين فى مسجد أسد بن الفرات، لكنه كان فى الطريق على قدميه إلى برنامج فى التليفزيون المصرى لولا أنه منع من الظهور.
صحيح أن الإخوان أعلنوا أنهم لم يذهبوا ولن يذهبوا إلى العباسية، لكن مسؤوليتهم الكبرى أنهم خلقوا مناخ التوتر الذى فى ظله حدث الاعتصام ليحققوا مكاسب سياسية ضيقة على حساب الثورة.. تتضاعف المسؤولية لأنهم يمثلون الأغلبية التى يفترض أن تقود البلد إلى بر الأمان.. مع ذلك فهم الذين عطلوا قيام اللجنة التأسيسية للدستور، وهم الذين دخلوا بمرشحين اثنين للرئاسة بعد أن كانوا قد وعدوا بالاكتفاء بسيطرتهم على البرلمان، وهم الذين أثاروا الضجة ضد المادة 28 من الإعلان الدستورى فجأة بعد أن كانوا قد أيدوها، وهم الذين شنوا حملة ضد حكومة الجنزورى التى كانوا قد رحبوا بها، وهم الذين افتعلوا الأزمة الأخيرة لإسقاط الحكومة رغم أنهم يعلمون أنهم لا يمكنهم بنص الدستور إسقاطها، وهم الذين زادوا الأزمة اشتعالاً بتعليق جلسات مجلس الشعب مفضلين الذهاب فى زيارة ملتبسة إلى السعودية فى حين كان اعتصام العباسية يوشك على الانفجار.
نعم، كانت هناك قوى سياسية أخرى تشاركهم بعض الأهداف، وتنادى معهم، خاصة إسقاط المجلس العسكرى وتسليم البلد إلى قيادة مدنية، لكنهم هم الذين كانوا القوة المؤثرة وراء هذا كله، ووراء المليونيات التى ألهبت الأجواء فى الأسابيع الأخيرة، والتى سالت بسببها الدماء فى العباسية فى النهاية.. صحيح أن المجلس العسكرى يتحمل مسؤولية عربدة البلطجية ومسؤولية الأرواح التى أزهقت هناك (ويتحمل فى الأساس مسؤولية التواطؤ مع تيار الإسلام السياسى منذ استفتاء مارس)، ولكن عموم الناس عندما رأوا الدم ينزف من شاشات التليفزيون، مساء الجمعة، وجهوا حنقهم إلى الإسلاميين أجمعين ولعنوا الثورة ذاتها.. لم يفهم أحد منا ليلتها لماذا تنتهى الثورة بنا إلى هذه الفوضى، ولماذا كل هذا الدمار ولم يتبق على رحيل العسكر سوى أسابيع، ولمن يسلمون السلطة حتى إذا ما ارتضوا بتسليمها؟!
أنا واحد من هؤلاء الناس.. قبل أن يصدر المجلس العسكرى بيانه بفرض حظر التجول على العباسية، كنت قد اتخذت قرارى.. يجب ألا يتولى رئاسة البلاد مرشح ذو مرجعية إسلامية، بالإضافة إلى البرلمان الذى تسيطر عليه القوى الإسلامية، حتى لو كان هذا المرشح هو «أبوالفتوح».. أعرف أن «أبوالفتوح» مرشح وسطى يقف على مسافة واحدة من كثير من القوى السياسية، لكن وفاقه مع غالبية السلفيين يثير قلقى، كما أن خلافه مع الإخوان يثير قلقاً أكبر من احتمالات الصدام بين مؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية.. فى ظروف غير تلك التى يجتازها الوطن فى الوقت الحالى كان يمكن لـ«أبوالفتوح» أن يكون مرشحاً نموذجياً للثورة.. لكننا لسنا فى ظروف نموذجية.. الرئاسة الآن يجب أن يتولاها مرشح من القوى المدنية يحقق التوازن وربما التوافق أيضاً بين السلطات.. و«أبوالفتوح» رغم ثقل هذه الكلمات على قلمى ليس هذا المرشح.. مرشحى بلا تردد هو حمدين صباحى.

التعليقات