آراء حرة
عائشة سلطان تكتب : الإعلام الجديد وإشكالية الحرية
سيبقى سؤال الحرية مطروحاً في الإعلام العربي لزمن طويل آتٍ، أولاً لأنه سؤال إشكالي وثانياً لأنه سؤال وجودي، ولأننا في العالم العربي في حيرة كبيرة أمام هذه الحرية، هل نريدها أم لا؟ هل نحتمل إشتراطاتها أم لا نحتمل؟ هل هي درس نتعلمه في المدرسة بواسطة المعلم والطبشور والسبورة، أم أنه درس الحياة السابق على الكلام والمشي والمدرسة، درس نتلمسه في البيت وفي علاقات الأسرة والحي والجيران، وتربية الأم وتعامل الأب؟
هل يمكن أن نتعلم الحرية كما نتعلم الرياضيات، أم أن الحرية روح رياضية وثابة وسلوك وممارسة وتراكم عبر الزمن تحفره التربية في وجداننا و تراكمه التجارب والمعارف والنظام الاجتماعي بكافة بناءاته ومؤسساته؟ هذه الأسئلة لابد أن تتحول إلي مشروع وجودي لكل العرب دون استثناء إذا أرادوا أن ينعتقوا من خطيئة إعادة إنتاج الأنظمة القمعية والمتخلفة، وأن ينتهوا من هذا الدوران في الفراغ، بحثاً عن إجابات لا نعمل على تأصيل حقائقها بقدر من نهذي بها ككلام أجوف لا يقدم ولا يؤخر !
لدينا إشكالية قصوى في التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي، هذه التي أفرزتها ثورة التقنية والمعلوماتية في الغرب وتوجه العولمة الذي يجتاح الكوكب كإعصار، تكمن الإشكالية في سؤال الحرية تحديداً، فكل هذا اللغط والصخب والشحن السياسي والتجاوز على عباد الله بغير وجه حق، وتقسيم الناس والمجتمع إلى فرق واتجاهات وفق معايير لا تدري كيف وضعت ومن وضعها، لكنك تخضع لها في نهاية الأمر مكرهاً لا بطل ولا مؤمن، فمن ذا يعرفك أو يسألك أو يستفسر منك أو يفتح معك حواراً قبل أن يخونك ويكفرك ويطالب بإعدامك؟ لا أحد يسأل ولا أحد يحاكم أو يعترض.
تقال الفتوى الشاذة التي لا أساس لها من المنطق فتنتشر انتشار النار في الهشيم، ويتناقلها المغردون بآلية إعادة التغريد ودون تفكير، ليصبح عدد من قرأها عشرات الآلاف، بينما هذه الفتوى لا صلة لها بالدين ومقاصد الشريعة وأصول الفتاوى، ولا أهلية لمصدريها .
ومثل الفتوى تطلق الأحكام على الناس، وتحديداً على الشخصيات العامة: السياسيين والمثقفين والمفكرين … إلخ، فيصبحون هدفاً سهلاً للغوغاء، كل يعيد ويضيف دون وعي، وكأنهم في حفلة دم شيطانية أو حلقة زار جنونية، يحدث ذلك كل يوم في عالم تويتر وفي كل بلادنا العربية، حيث يدفع الكثيرون سمعتهم وأعصابهم ثمناً، كل ذلك لأن أمراً خطيراً حدث لم يتم تقنينه بعد، فقد كسر هذا الإعلام قواعد اللعبة المهنية للإعلام والصحافة عندما سمح للمواطن البسيط والعادي أن يصبح محرراً وصاحب وسيلة إعلامية ومصوراً وكاتباً وصانع أحداث أيضاً بلمسة زر، دون أن تتوافر للكثيرين منهم الشروط المهنية اللازمة والقواعد الأخلاقية الضابطة، هنا تحدث الفجوة والمطب والمشكلة في آن واحد !
إن الجوع للحرية سبب رئيس للاحتشاد العام في تويتر، وتنامي مشاعر وتوجهات الفردانية لدى الناس سبب آخر، وميزة التفاعلية التي تخلق للمتلقي دوراً ورأياً فيما يتلقى حيث تمنحه هذا الميزة فرصة أن يعلق ويرد ويعيد نشر ما تلقاه وبأسرع مما نتصور.
هذه التفاعلية الحية والمشاعية وسقف الحرية العالي جداً ـ مع تحفظنا على واقع الحرية في تويترـ كسرت احتكار الخبر وبيروقراطية المؤسسة الإعلامية التقليدية، في الوقت نفسه الذي كسرت فيه قيم المهنية والقيم الأخلاقية للإعلام والإعلاميين، ويبدو أننا سنظل زمناً نعيد إنتاج هذه التجاوزات، إلى أن نصل في مستوى وطريقة تعاطينا مع الحرية واحترام حقوق الآخرين إلى الدرجة التي لا يشكل فيها الإعلام مشكلة قائمة غير قابلة للتفكيك، الحرية هي الوحيدة القادرة على تفكيك هذه الإشكالية !