كتاب 11
مفعول سحب السفراء
خسر العرب الكثير على صعيد الوحدة والتماسك السياسي فيما بينهم، وخسرت العديد من بلدانهم ومجتمعاتهم كذلك استقرارها وسلامها الاجتماعي، وذلك قبل القرار الأخير للسعودية والإمارات والبحرين وضع قطر أمام مسؤوليتها السياسية، حيث تم سحب سفراء الدول الثلاث مع إصدار بيان سياسي واضح يشرح القرار وخلفياته .
لقد أشار البيان إلى أن قطر لم تلتزم بالاتفاقية الأمنية الموقعة بين دول الخليج العربي والتي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق التدخل والتأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي .
وكما توضح هذه الإشارات، فإن موضوع الخلاف على مصر ليس هو السبب الأساسي وإن كان متضمناً كسبب لمواقف الدول الثلاث وذلك مادام أن مصالح ومصائر دول المنظومة العربية هي كل متشابك ومترابط وأن اللعب بالنار في جزء من المنطقة العربية يؤكد استنتاجاً ومنطقاً أن المنطقة كلها مقصودة ولا استثناء لجزء من الخريطة العربية .
ولكن في الحقيقة، إن كان البيان قد أكد شيئاً بمزيد لا مثيل له من الوضوح فهو أن ذلك ليس استنتاجاً أو تخوفاً أو تضارباً في السياسات تجاه بلد عربي مركزي في وضع الأزمة . يسرد البيان أن عناصر تفكيك البناء العربي التي استخدمت في بلدان عربية يمكن استخدامها كذلك في الجوار الخليجي .
هنالك إذن ما يخص الدول العربية الخليجية ليس في تبعات ما يجري عن بعد، وإنما فيما هو أكثر من ذلك، ولقد أصبح واضحاً للدول الخليجية الثلاث أن اللعب بمصائر الشعوب والدول قد أصبح قاعدة عامة تدل عليها الإشارات الإعلامية المتوالية في الهجوم على دولة الإمارات، وأمور أخرى أعظم كانت قد وضعت على طاولة البحث داخلياً في مجلس التعاون .
لم يعد خافياً أبداً أن مراكز أبحاث ومحركات للاضطرابات والعنف على شكل مراكز تدريب تتخذ من الدوحة موقعاً لها . إنها تنسق وتخطط للمزيد من التفكيك الداخلي والتدمير والعنف للمحيط العربي .
لقد كان من صالح السياسة القطرية التي يسعى القرار الخليجي الموحد للدول الثلاث تصحيحها أن يبقى الخلاف القطري مع دول مجلس التعاون غير علني ولا يخرج للضوء على هيئة القرار الأخير وذلك لأطول فترة ممكنة . ولربما بَنَتْ سياستها الآنية على ذلك استثماراً لصالحها لتقاليد سياسية راسخة لحكام الخليج وقادة مجلس التعاون بالمحافظة على صورة الوئام والتماسك الداخلي والعمل الهادئ على احتواء الخلاف . خطوة السعودية والإمارات والبحرين غير المعتادة بكل المقاييس ربما كانت إدراكاً لهذه الفرضية وتفويتاً للعمل المراد إكماله تحت غطاء الدبلوماسية الهادئة المتاحة .
أما الآن وقد تم أخذ الخطوة الحاسمة، فإن السياسة القطرية المعترض عليها من الأغلبية هي بلا شك إلى تحجيم وذلك للأسباب التالية:
– أولاً: بالنسبة لقناة الجزيرة التي أصبح واضحاً الآن أن هدفها النهائي ومرمى إنشائها هو تغيير التركيبة السياسية وهز القناعات القومية الراسخة وضرب الكل بالكل تحت شعارات جذابة وبراقة، فقد كانت السياسة أن تظهر في الصورة كمنبر إعلامي خالص لا صلة له بالسياسة التي توجهه، إن هذا الفصل لم يعد قائماً كثيراً في الأذهان، والقرار الخليجي هو إعادة توجيه للانتباه لهذا الرابط، وفي هذا ضربة كبيرة لدور المحطة بلاشك وتعرية مهمة لها تعجزها عن النفخ في الرماد لإشعال النيران .
– ثانيا: وضع الإمارات والسعودية والبحرين لقطر أمام مسؤوليتها السياسية لا يكشف فقط عن الدور موضع النقد بل هو كذلك يُسائلُ عن مغزاه وأهدافه التي لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها والتي هي ضد مصالح شعوب ودول المنطقة، وبالتالي فمن المستفيد منها إذن؟
– ثالثاً: علنية الموقف السياسي للدول الثلاث لاشك أنه يسلط الضوء والأنظار على الموقف السياسي القطري الذي من الواضح أن مجال المناورة لديه قد ضاق وانحصر إلى درجة ليست بالقليلة، إنه أمام خيارين كبيرين للموقف الذي يجب اتخاذه . التحديات التي كانت وراء القرار لاشك أنها تفرض تغييراً مهماً في سياسة أعضاء مجلس التعاون أو أغلبهم، وهي تعيد تشكيل وترتيب موازين القوة فيه استعداداً لتطورات مقبلة .