كتاب 11
الجنرالية
هي وظيفة ومنصب ومهمة ومسؤولية عن حماية أرواح الجنود، وتأهيل خاص للانتصار في المعارك وخبرة قوية في الإفلات من الهزائم. أي أنها بوضوح ليست رتبة شرفية في أي مكان وزمان. هي لا تشبه، ويجب ألا تشبه الدكتوراه الشرفية أو الفخرية. وإذا كانت هناك لوائح أو تقاليد أو حتى قوانين أو أعراف سمحت بوجود جنرال شرفي أو فخري، فيجب إعادة النظر فيها على الفور حرصا على العسكرية ذاتها. اسمح لي أن أستخدم مثالا يوضح هذا الخطأ حتى لو لم يكن مطابقا كل المطابقة، هل تسمح بإعطاء شخص ما وظيفة «جراح» شرفية، لتجده بعد عدة شهور أو أعوام في غرفة العمليات يجري جراحة لابنك؟
عندما ترى أنني كاتب هذه السطور قدمت اختراعا هاما للعالم العربي، وهو أشهر مسرحية عرفها العصر الحديث، هل تنعم عليّ برتبة جنرال؟ ما هي حاجتك لذلك؟.. بل ما هي حاجتي أنا إلى ذلك؟
تستطيع أن تكافئني بجائزة من جوائز الدولة ذات البطارخ المغذية، تستطيع أن تمنحني قطعة أرض وتبني لي عليها فيللا بحديقة غناء، تستطيع أن تقوم بتعييني سفيرا في بلاد النعيم والنغنغة. ولكن ليس من حقك أن تقوم بتحويلي إلى جنرال يرتدي ملابس الجنرال ويضع على كتفه رموزه العسكرية. إنني أشعر على نحو غامض أن هذه الحكاية وراءها حكاية.
وأرجوك لا تقل لي مرة أخرى أنه منصب فخري أو شرفي، فلم يحدث في طول التاريخ وعرضه وفي أي مكان في العالم هذا الاختراع.
العسكرية هي عالم الرموز الأول، وهي رموز نابعة من أكثر حقوق الإنسان قداسة على الأرض وهي غريزة الدفاع عن النفس. ومنذ تلك اللحظة التي يلتحق بها الإنسان بالقوات المسلحة أو بإحدى الكليات العسكرية، يبدأ حياة خشنة جافة يعرف جيدا أنها تؤهله لشيء واحد فقط هو أن يحارب دفاعا عن بلاده وأن يموت من أجلها. لا يوجد، ويجب ألا يوجد، في العسكرية سلوك نفاقي ولا مجاملات يترتب عليها إهانة للشرف العسكري.
الجنرال في أي مكان على الأرض هو جنرال حقيقي فعلا وواقعا وعملا، لقد تلقى علومه العسكرية ودرس معارك عصره كما درس معارك الماضي، غير أنه على نحو خاص لا بد أن يكون قارئا جيدا للتاريخ والفلسفة وعلم النفس ومتذوقا للفنون.
وحتى في أيام السلام يكون دور الجنرال هو أن يكون جاهزا هو وجنوده للحرب أو الدخول في عمليات قتالية، وهناك واجب آخر ربما لن تجده في كتب الحرب والاستراتيجية، وهو أن يحافظ على عسكريته وعسكرية جنوده جادة ونقية، وذلك بحماية أسوار معسكراته من ضغط قيم المجتمع السائدة على هذه الأسوار، أتكلم عن المجتمعات التي يحتل فيها التهريج مكانة مرموقة، تلك المجتمعات التي لا تعرف ما هو حقيقي وفعلي، بل كل ما هو فخري وشرفي.. احترس من هذا المهندس لأنه ليس مهندسا بل هو مهندس فخري، وهذا الشخص ليس كاتبا بل هو فخري، وهذا الوزير ليس وزيرا.. هو فخري.
والله يا عزيزي القارئ.. أنا أخشى أن تكون أنت أيضا قد تحولت إلى قارئ فخري.. من فضلك اقرأني فعليا وليس فخريا.