مصر الكبرى
ليبرالية أبو الفتوح المزعومة
فى مترو القاهرة قال لى طبيب امتياز بقصر العينى، له لحية خفيفة، أنه لن يعطى صوته للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، لأنه مرشح الليبراليين والعلمانيين، فى رأى الطبيب الشاب الذى بدأ حياته العملية قبل أشهر قليلة، العلمانية والليبرالية كفر، وبالتالى فإن أى مرشح للرئاسة يوصف بالليبرالي أو العلمانى، أو حتى مدعوم من منهما كافر لا محالة، ولا تجوز له الولاية.
الحديث عن أن العلمانيين والليبراليين يدعمون أبو الفتوح فى انتخابات الرئاسة، يأتى فى إطار حملة منظمة تشنها جماعة الإخوان المسلمين عليه، بسبب انشقاقه عن الجماعة، وخوض انتخابات الرئاسة، فى وقت كانت الجماعة تعلن ليل نهار أنها لن ترشح أحدا لانتخابات الرئاسة، ومن ثم تراجعت ودفعت بنائب المرشد خيرت الشاطر كمرشح أصلى، ورئيس حزب الإخوان محمد مرسى كمرشح احتياطى، أى بالقول الدارج "مرشح استبن".
أبو الفتوح بالطبع ليس علمانيا ولا ليبراليا، وهو إخوانى حتى الثمالة، وإسلامى حتى النخاع، منذ انضمامه للجماعة الإسلامية فى جامعة القاهرة فى السبعينات، ثم التحاقه بالإخوان حيث أقسم البيعة للمرشد الأسبق محمد حامد أبو النصر، ولم يكن أبو الفتوح مجرد عضو فى الإخوان، وإنما كان أحد ألكوادر المهمة، التى ساهمت فى تجديد الجماعة فى السبعينات والثمانينات، ودعم خطط اختراق النقابات المهنية، أى أنه غير فى استراتيجية التمكين التى يعتمدها الإخوان للقفز على للسيطرة على مفاصل الدولة، لتبدأ من باختراق الطبقة الوسطى والسيطرة عليها من خلال النقابات المهنية، ثم الترشح للبرلمان، أى اختراق المؤسسة التشريعية، ومن ثم يصبح سقوط السلطة التنفيذية مسألة وقت.
أبو الفتوح مضى بخطى متصاعدة داخل الإخوان، وحصل على عضوية مكتب الإرشاد، لكنه اصطدم بطموح خيرت الشاطر، الذى سبقه إلى منصب النائب الثانى للمرشد، وبسبب سيطرة الشاطر على المفاصل السرية لأموال الإخوان، ولعلاقات مصاهرة داخل الجماعة، استطاع جناح الشاطر، القضاء على جناح أبو الفتوح، فأسقط من عضوية مكتب الإرشاد، لكنه ظل على البيعة للمرشد ولم يخرج من الجماعة، واكتفى بعضوية مجلس شورى الإخوان.
جاء 25 يناير ليمثل تاريخا فارقا فى مسيرة أبو الفتوح، حيث تم فتح الباب لأول انتخابات رئاسية تعددية، قرر أبو الفتوح خوضها مستندا إلى تياره داخل الجماعة، وإلى الكثير من الصداقات الشخصية لرموز سياسية، شارك معهم فى حركة كفاية، بعد تأسيسها عام 2005، ضد التمديد للرئيس السابق حسنى مبارك، وتوريث نجله جمال، لذلك انطلق أبو الفتوح إلى الرئاسة، برصيده داخل الإخوان، وبالتربية القائمة على السمع والطاعة، وبخبرته فى العمل السري والتنظيمى ليبنى حملة انتخابية قائمة على تقديمه باعتباره نموذجا للإسلام الوسطى المنفتح على كل الآراء والاتجاهات، وحتى المدعوم من ليبراليين وعلمانيين.
المشكلة ليست فى أبو الفتوح، ولكن فى بعض المنتمين للشرائح العليا من الطبقة الوسطى، الذين يعتبرون أبو الفتوح ليبراليا، منفتحا، وهو أمر ليس خطأ فادح، وإنما خطيئة، ينبغى تصحيحها.. ففى النهاية أبو الفتوح هو ابن تنظيم الإخوان حتى ولو حاربته الجماعة فى إطار صراعات شخصية، وعقيدة قائمة على أنه يجب ذبح من يخرج عن البيعة، لكن المصريين ليسوا طرفا فى علاقات الإخوان الداخلية الغامضة والمتشابكة، وبالتالى فإن أبو الفتوح لا يختلف كثيرا عن المرشح الاستبن محمد مرسى، ولا عن المحامى الإسلامى سليم العوا، كلهم فى سلة واحدة، أبعد ما تكون عن العلمانية والليبرالية، والمدنية الحديثة التى نرجوها لوطننا.