كتاب 11
الرئيس الشرعي هاربا
ظهر الرئيس الأوكراني المعزول في روسيا ليعلن أنه «الرئيس الشرعي المنتخب». قد يذكرك ذلك برؤساء آخرين. أنا، يذكرني يانوكوفيتش بالرئيس الروماني نيكولاي تشاوشسكو، الذي هرب قبل أن يكمل بناء قصره الذي من ألف غرفة. وتذكرنا أوكرانيا باليمن، الذي وضعته الاحتجاجات على حافة التقسيم، فيما كان علي عبد الله صالح يلعب لعبة الوقت على حساب وحدة البلد. وإذا شئت فإن ثمة شبها أيضا في الجماهيرية السابقة، عندما كان الأخ معمر يعرض التقسيم لقاء البقاء فوق أرضه الباقية.
يزول كل شبه آخر إذا قرر فلاديمير بوتين تحويل أوكرانيا إلى سوريا أخرى. يبدأ بإرسال الشبيحة في ثياب مدنية لاحتلال المباني الرسمية، ويحرك الفروقات العرقية والطائفية، وتصبح أوكرانيا خطرا على أوروبا، كما حدث التفجر السوري في الشرق العربي. تحرك أوباما بسرعة لإقناعه بخفض درجة الصراع. وتحركت أنجيلا ميركل، شريكة روسيا الأكبر منذ انهيار السوفيات، للغاية نفسها. لكن الأرجح أن بوتين ينظر إلى الدولة المؤلفة من 46 مليون نسمة على أنها قضية شخصية. خصوصا، في هذه المرحلة التي تظهر فيها ملامح الصراع الخفي أكثر فأكثر. فالاضطرابات تعمّ فنزويلا، التي كادت تصبح كوبا أخرى. والنظام اليساري الذي أسسه الراحل هوغو شافيز مهدد. وكان من أكبر مناصريه في الصراع الكوني مع الرأسمالية، الرئيسان السابقان محمود أحمدي نجاد وإميل لحود. والأخير، لم يوفر جهدا في دعم حركة النضال العالمي.
هل من الصدف أن تهتز فنزويلا وأوكرانيا في وقت واحد في وجه بوتين؟ ربما. ولكن ضابط الـ«كي جي بي» السابق لا يعترف بالصدف. الدنيا مؤامرات والأمم ملاكمات. ومن يدري أن تكون أوكرانيا – أو حتى فنزويلا – ردا على «جنيف2» والبراميل «السوفياتية» التي تمطر في سوريا، فيما يأمر رئيسها الناس بأداء صلاة الاستسقاء بعد سنة أخرى من الجفاف. علّ سماء سوريا، في مطلع السنة الرابعة، تهطل على الناس والأرض شيئا غير النار والحريق. هزيمة أوكرانيا إهانة معلنة لاكتساحات بوتين، بصرف النظر عن اتجاه التطورات. أي سواء قرر أن يحرقها، أو أن يرسل المظليين، أو أن يحشد الجيوش العاطلة عن العمل، فإن الإهانة قد وقعت، و«زَلمَته» في كييف سجل على نفسه أنه هرب تاركا خلفه المراحيض الذهبية، تصورها الصحافة العالمية، وتعيد نبش ماضيه الخالي من أي صفحة بيضاء.
في البداية ظهر وكأن يانوكوفيتش فعل ما فعله من قبل زين العابدين بن علي. ترك البلاد حقنا للدماء، أو بالأحرى، للمزيد منها. ولكن الأرجح أن لا مكان يستطيع الذهاب إليه، فعاد رهينة في أيدي الروس وبيدقا في المواجهة بين الكبار، التي سوف يدفع ثمنها الصغار، كما هو مألوف. قبل فراره كان فاقدا نصف حريته للروس، والآن فقدها كلها. كان أحرى به أن يلجأ إلى سويسرا حيث يضع الذهب الذي لم يذوِّبه في تزيين المراحيض. الآن مضطر إلى الاقتناع بأنه «الرئيس الشرعي». وهذه حكاية تعود على صاحبها بمرض الأعصاب.