ثقافة
قرأت لك.. كتاب “صناعة الطاغية: سقوط النخب وبذور الاستبداد “
يقدم الكتاب دراسة رصينة عن آفات سياسية واجتماعية واقتصادية تسببت في المأزق السياسي الذي تعيشه مصر باستمرار، خاصة في ما يتعلق بالخضوع الشديد للحاكم، أياً كان اسمه وأياً كانت انتماءاته.
الكتاب يتناول الطغيان، لا الطاغية؛ لأنه يتحدث عن الطغيان ابتداء، وكيف تتورط النخب الكسيحة في صناعته. ويرى مؤلفه أنه في مختلف مواقع المسؤولية وصنع القرار، هناك مكانٌ لتلك النخب الزائفة التي تتضافر وتتضامن لحماية مصالحها وضمان استمرار نفوذها وسطوتها، وتساوم على القيم والإجراءات الديمقراطية، وتزين للطاغية ومسوخه المستنسخة عنه سوء عملهم، وتدفع الوطن باتجاه تكرار إخفاقات الماضي، وكل ذلك من أسباب نكبتنا في مصر المحروسة.
وتحت عنوان «بلد العائلات»، يحدثنا المؤلف عن مصطلح مجتمع «النصف في المائة» الذي أطلقه الرئيس جمال عبدالناصر، في سياق وصفه لمجتمع ما قبل ثورة 1952، وكان يقصد بذلك تلك المجموعة الضئيلة التي تضع يدها على ثروات مصر وتملك النفوذ السياسي فيها. بل إن عبدالناصر قال في حديث صحفي عام 1965، إن 16 عائلة فقط في مصر، كانت تملك السلطة السياسية قبل الثورة، ومن هذه العائلات خرج معظم رؤساء الوزارات والوزراء والكبراء في العهد الملكي.
ويلفت المؤلف إلى أن «الأمن في مصر مرتبطٌ في الذاكرة الشعبية بالسطوة والسلطة.. وإذلال المواطن. وليس أمام المواطن في هذه الحالة سوى أن يتجنب هذه السلطة التي يراها غاشمة، وأن يخشى على نفسه وأهله من التعامل مع رجل الأمن الذي يُخاطب عادةً في الثقافة الشعبية بـ(الباشا).. وكأن رجل الشارع يرى في أعماقه أن المَلكية لم تمت.. وأن عصر الألقاب قائمٌ ما دام رجل الأمن يقمع ويضرب ويعذب. هكذا تجد الشرطي يستمرئ صيغة السيد والعبد، ويتعامل مع الآخر بتعالي، فيمسح حذاءه مجانـاً ويأتيه – أثناء عمله – شايه وقهوته مجاناً من المقهى، وترى أمين الشرطة يجبر مواطنين- ربما كانوا باعة جائلين أو سائقي سيارات أو مرتادي هيئة رسمية أو قسم شرطة لإنجاز معاملة أو تحرير بلاغ – على دفع إتاوات ورشى و(إكراميات) لتسهيل أداء مصالحهم أو غض الطرف عنهم، ثم تجده يستقل بزيه الرسمي سيارة أجرة من دون أن يدفع أي مقابل لسائقها.
يتناول المؤلف بالرصد والتحليل موضوعات أخرى، بخلاف الأمن والسياسة، منها ما يتعلق بالمثقفين «في حظيرة السلطة»، والإعلام «موت التوك شو»، والحرب على العدالة متمثلة في السلطة القضائية من «مذبحة القضاء» في عهد عبدالناصر إلى الحملة الشرسة على القضاة في عهد محمد مرسي.
وعن المثقفين يقول الكاتب: «إن طبيعة لحظة دخول مصر عملية التحديث منذ قرنين، شكَّلت علاقة المثقَّف بالسُّلْطة حتى اللحظة. فالأصل هو السياسي. هو الداعي للتحديث وموجِّه دفته، وواضع أولوياته. والمثقَّف سواء هو شيخ (معمّم) أم (أفندي)، فإن دوره فرع عن هذا الأصل. الطبيعة الهشة اجتماعيـاً واقتصاديــاً لشريحة المثقفين، جعلت المثقَّف في علاقة حبل سري مع السُّلْطة“.
ويفرد الكاتب فصلاً للحديث عن «جمهور الشرفاء»، والعلاقة المتأرجحة بين الشعب المصري وحكامه منذ ثورة 1952 حتى اللحظة، كما يتطرق بالتفصيل، إلى قضية العنف الأمني وخطيئة تغليب الشق السياسي على الجنائي في عمل أجهزة الأمن، منذ عقود طويلة، ويحكي عن كل ذلك في فصل بعنوان «جرائم الباشا».
وفي العموم، يشرح الكتاب، ماهيات اللبنة الأولى في صناعة الطغاة، من قبل زمرة النخب الكسيحة.. تلك النخب التي تخضع للاستبداد، وتروج للطاغية، وتتماهى مع أفكاره الشمولية وقراراته السلطوية، وتصمت عن تعسفه وبطشه، وهي تتمنى أن لا يصيبها بعض من رذاذه.. كما يشير المؤلف، وذلك في تواطئهم أو خضوعهم، إذ يكون هؤلاء أصابع الطاغية وذراعه الباطشة، ويصبحون بمشيئتهم أو على غير إرادتهم جزءاً من صناعة الاستبداد وعائلة الطغيان. وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الكتاب يتناول الطغيان.. وكيف تتورط النخب الكسيحة في صناعته.
المؤلف : الدكتور ياسر ثابت. باحث وصحافي مصري. لديه مؤلفات عدة، منها: «قصة الثروة في مصر»، زمن العائلة: صفقات الإخوان والمال والسلطة، شهقة اليائسين: الانتحار في العالم العربي، حروب العشيرة: مرسي في شهور الريبة، فيلم مصري طويل، قبل الطوفان، جمهورية الفوضى.
الناشر: دار اكتب – القاهرة 2014