كتاب 11
«القاعدة» تطلق فيديو لبنانيا
في المعلومات، قد لا يكشف الفيديو الذي بثته «كتائب عبد الله عزام» تحت عنوان «غزوة السفارة الإيرانية» الكثير. في هذا الفيديو، يتحدث الانتحاري اللبناني معين أبو ظهر، الشاب الصيداوي، الخارج من بيئة محبطة وهامشية ليصبح مقاتلا مع الشيخ أحمد الأسير ولينتهي مفجرا نفسه في عملية استهداف محيط السفارة الإيرانية في بيروت الذي أودى بـ23 شخصا، جلهم من المدنيين..
هذا الفيديو اعتمد النسق الذي دأب عليه تنظيم القاعدة في تقديم شبانه قبل أن يسوقهم إلى موتهم، مجللا بدماء كثيرة أخرى ومعللا بخطاب طائفي مذهبي. إنه الشريط الأول لبنانيا، وقد ظهر متأخرا، أي بعد أشهر من تاريخ عملية تفجير السفارة الإيرانية، وفيه يتوعد أبو ظهر بانتحاريين كثر ليستهدفوا حزب الله. التسجيل الممهور بتوقيع مؤسسة «الأوزاعي»، وهي على ما يبدو النسخة اللبنانية لـ«السحاب» القاعدية، بدا إنتاجا لبنانيا، حرص فيه معدوه على إبراز مقاطع تحت عنوان «جرائم إيران وأدواتها بحق أهل السنة»، ورد فيها صور لقتلى في سوريا وأجزاء من خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يدعم فيها قتال حزبه إلى جانب النظام السوري.
ما يثير القلق من جملة كل ما ورد في الفيديو ما قاله معين أبو ظهر مخاطبا شيوخ وعلماء السنة بقوله: «أرجو من علمائنا حث الشباب على الجهاد، فهذا واجب، فإذا تحركتم تحرك الشباب معكم». وللحقيقة، لم يكد يظهر هذا الفيديو حتى تناقل صحافيون كانوا يتابعون في عمان محاكمة رجل الدين المتطرف «أبو قتادة»، تأييد الرجل للتفجيرات الانتحارية والعبوات التي تضرب لبنان.. وحين وجه صحافي سؤالا إلى «أبو قتادة» عن المدنيين الذين قتلوا في التفجيرات، قال: «إن حزب الله يتحمل المسؤولية، والرأي الشرعي الذي لا جدال فيه هو أن هؤلاء يبعثون على نياتهم». وأبو قتادة هذا هو نفسه مطلق فتاوى القتل التي استندت إليها جماعات إرهابية في قتلها مدنيين، من بينهم أطفال، في الجزائر خلال التسعينات..
يطرح البعض هنا تساؤلا، وربما دعوة للتفكير أكثر في المسؤولية الإعلامية في تناقل كل من شريط فيديو يشجع على القتل المذهبي، وتصريح للشيخ المتطرف هو بمثابة فتوى قد لا يكون شبان جانحون مثل معين أبو ظهر بانتظارها، لكنها بالتأكيد تضاعف من قابلية شبان مأزومين مثله للانخراط في هذا القتل الحاصل.
صحيح أن هذا التساؤل يبدو قاصرا، خصوصا أن قدرة تلك الأخبار والصور والفيديوهات على الوصول هي أكبر وأوسع من محاولات ضبطها دون أن يكون حجبها رادعا لتلك الأفعال عن التكرار أصلا..
وهنا، لا بد من الإقرار بأن التفكير في احتواء فكر متطرف لا يستقيم من دون الإقرار بالخطيئة الكبرى التي اقترفها – ولا يزال – حزب الله في مشاركته في القتال إلى جانب النظام بسوريا ومساهمة ذلك في تعزيز الغرائز والمشاعر المذهبية..
شرط العمل لمكافحة التكفير والتطرف أن يشتغل على خطين متوازيين؛ واحد يتطلب معالجة الأسباب من داخل الظاهرة التي تتمثل بـ«أبو قتادة» وأفكاره التكفيرية، وآخر يتعامل مع موجبات الظاهرة من خارجها وهي حزب الله.
ما خلا ذلك، ستبقى تطالعنا أشرطة فيديو وتصريحات بينما نحن نعيش على وقع تفجير وموت يومي..