كتاب 11
مصر وإنتاج القمح رؤية لحل الأزمة
تعد مصر التي قال عنها نبي الله يوسف عليه السلام أنها “خزائن الأرض” أكبر دولة مستوردة للقمح على مستوى العالم، فهل أخذ الله من مصر منحتهُ إياها، أم أن الأنظمة المصرية المتعاقبة، هي من ترفض منحةُ الله لمصر ؟
حتى نتحدث عن مثل هذا الأمر، يجب أن نأخذ بالأرقام، حتى نصل إلى نتيجة، لا تسمح بالجدل من فاسد أو من مستفيد من رفض منحة الله تلك، وسنكتشف بعد أن نطلع على الأرقام طبقاً للسرد القادم في هذا الكتاب، أن هناك منظومة فساد، تقف وراء كون مصر لم تعد “خزائن الأرض”.
وبداية علينا أن نعلم الآتي :
يوجد بمصر ما يزيد عن سبعة ملايين فدان زراعي، وهي أراضي تمتاز بطبيعة خصبة، وجميعها مستغل زراعياً، إلا أن القليل منه يزرع بالقمح، وقد يعتقد البعض بأن التزايد السكاني الرهيب في الدولة هو ما جعل من سبعة ملايين فدان زراعي غير كافية لتحقيق الكفاية السنوية من إنتاج القمح ! لكن حقيقة الأمر ليست كذلك.
أولاً/ إنتاج الفدان من القمح يساوي، ٢٠ أردب، وحجم الأردب يساوي ١٥٠ كجم، أي أن إنتاج الفدان من القمح يساوي ٣ طن متري سنوياً، في فترة الشتاء، فالقمح زراعة شتوية تبدأ من شهر نوفمبر وتنتهي بموسم الحصاد الذي ينتهي بشهر مايو.
ثانياً/ إذا ما تمت زراعة أربعة ملايين فدان، بالقمح سيكون الناتج ١٢٠٠٠٠٠٠ طن “إثنى عشر مليون طن متري” قمح سنوي، أي ما يساوي ١٢٠٠٠٠٠٠٠٠٠ كجم “إثنى عشر مليار كجم” من القمح سنوياً، وبقسمة هذا الرقم على تعداد سكان مصر والبالغ عددهم ٩٠ مليون نسمة، تكون نسبة الفرد من زراعة القمح أكثر من “١٣٣ كجم” في العام الواحد، أي أن نصيب الفرد في الشهر الواحد يزيد عن ١١ كجم من القمح .
ثالثاً/ من خلال النسبة السابقة نستطيع القول، أن مصر بمقدورها تحقيق إكتفاء ذاتي من القمح، بخلاف أنها تستطيع أن تكون دولة مصدرة له أيضاً.
فوائد زراعة القمح :
أولاً/ تعطي زراعة القمح فوائد لزراعة الأرز، في فصل الصيف، وهي الفترة التالية لزراعة القمح، إذ أن الأرض تكون أكثر خصوبة مما يؤثر في الناتج والجودة.
ثانياً/ ما ينطبق على زراعة الأرز الصيفية، ينطبق أيضاً على زراعة الذرة والقطن.
ثالثاً/ توفير الأسمدة الزراعية، فزراعة القمح لا تحتاج للفدان الواحد إلا عدد ٤ شكارة سماد فقط، وهي نفس الكمية المدعمة من قبل وزارة الزراعة للفدان، ومقارنة بزراعة البنجر، فإن زراعة القمح توفر ٦ شكائر إسمدة.
رابعاً/ لا تتطلب زراعة القمح أيادي عاملة تكون عبئاً على المزارعين، بسبب أن القمح لا يتطلب المزيد من الجهد في زراعته.
خامساً/ توفير “الردة” والتي تستخدم لتعليف المواشي، والدواجن، والأسماك.
سادساً/ يستخدم التبن، الناتج عن زراعة القمح أيضاً في علف المواشي، وكعنصر أساسي في مزارع الدواجن.
أزمات زراعة القمح في مصر :
أولاً تخزين القمح/ تعاني مصر من سوء حالة التخزين وعدم وجود أماكن للتخزين، لذلك فإن مصر بحاجة إلى بناء صوامع جديدة لتخزين القمح.
ثانياً أزمة السماد/ يمنع المزارعين، من الحصول على حصصهم المدعمة من السماد والتي قيمتها ٧٠ جنيهاً للشكارة، بحجة ضرورة سداد مديونياتهم السابقة أولاً، ومن هنا تبدأ منظومة الفساد في العمل حيث يقوم موظفوا الجمعيات الزراعية، ببيع حصص المزارعين المدعمة في السوق السوداء بسعر ١٢٠ جنيه للشكارة، ثم يأتي التجار ويبيعونها بمبلغ ١٤٠ جنيه لمن يدفع بنظام الفوري أو “الكاش” وبسعر ١٨٠ جنيه بالتقسيط، مما يتسبب في خلق مديونيات وأعباء جديدة على كاهل المزارعين، فمن لا يحصل على حصته المدعمة، يقوم بشراء الأسمدة من السوق السوداء بالتقسيط والفوائد !
ثالثاً/ عدم قيام الدولة بشراء القمح من الفلاحين بشكل مباشر، يتسبب في بقاء المحصول دون أن يباع حتى يفسد في نهاية الأمر، ويتحول إلى مال مهدر وعبئ جديد على الفلاحين والدولة.
رابعاً/ نظراً لأن الدولة تقوم بشراء القمح المحلي بسعر ٢٨٠٠ جنيه لطن القمح، بينما السعر العالمي ٢١٠٠ جنيه لطن القمح، فإن ذلك يتسبب بقيام المستوردين بإستيراد القمح، ثم بيعه إلى الدولة أيضاً على أساس أنه محصول محلي ! مما يتسبب في نفاذ أموال الدولة المخصصة لشراء القمح المحلي، ويتسبب أيضاً في نفاذ أماكن تخزين القمح، مما ينتج عنه نفاذ صلاحية القمح المحلي نظراً لعدم شرائه وعدم قدرة الفلاحين على تخزينه بشكل جيد.
خامساً/ إستبدال المزارعيين زراعة القمح بزراعة البنجر، والتي يلجأ إليها الفلاحين للسبب الآتي :
– قيام مزارع السكر بشراء محصول البنجر بشكل مباشر، ودفع قيمة المحصول مباشرة، بينما لزراعة البنجر سلبيات عديدة.
الآثار السلبية لزراعة البنجر تتلخص في الآتي :
1- زراعة البنجر تجعل ناتج الزراعة الصيفية أقل إنتاجاً وجودة، ذلك لأن البنجر يستهلك الأرض الزراعية، ويقلل من قيمتها في الزرعة التالية.
2- زراعة البنجر تجعل الفلاحين يطالبون الدولة، بدعم أسمدة أخرى فوق طاقة الدولة.
3- إهدار الوقت والجهد في زراعة البنجر.
4- تعطيل مصانع السكر ووقف إنتجها يتسبب في إفساد إنتاج محصول البنجر مما يؤدي إلى خسارة الفلاح والدولةلدورة زراعية !
مع ملاحظة أن كافة مصانع السكر تتبع القطاع الخاص، وفي ظل وجود منظومة فساد إداري في الدولة، يتم توجيه الفلاحين والمزارعين بشكل غير مباشر إلى زراعة البنجر بدلاً من القمح !
بعض الإختلافات بين زراعة القمح وزراعة البنجر تتمثل في الآتي :
1- إنتاج الفدان من القمح هو: ٣ طن بينما إنتاج الفدان من البنجر هو: ٣٠ طن.
2- سعر طن القمح لعام ٢٠١٤م هو: ٢٨٠٠ جنيه، بينما سعر طن البنجر متوسطه هو: ٣٣٥ جنيه، فنسبة السكر في البنجر هي التي تحدد سعره.
3- سعر السماد اللازم لفدان القمح هو:٢٨٠ جنيه، بينما سعر السماد اللازم لفدان البنجر هو: ١٣٦٠ جنيه.
تكلفة ومكسب الفلاح من زراعة القمح، ومقارنته بتكلفة ومكسب زراعة البنجر :
أولاً زراعة القمح/
تكلفة فدان القمح هي : أربعة شكائر سماد بسعر٢٨٠ جنيه، طبقاً لسعر السماد المدعم من وزارة الزراعة + ٣٠٠ جنيه سعر التقاوي + ١٠٠ جنيه حرث + ٢٠٠ جنيه ضم + ٢٤٠ جنيه درس القمح وهي عملية “فصل الحبوب عن السنبلة” وتستغرق أربع ساعات سعر الساعة ٦٠ جنيه، بهذا يكون مجموع تكلفة فدان القمح ١١٢٠ جنيه، أما إجمالي ناتج الفدان فهي : ٨4٠٠ جنيه طبقاً للسعر الذي حددته وزارة التموين لعام 2014م هو: 420 جنيه للأردب أي 2800 جنيه للطن، أي 8400 جنيه للفدان + ١٠٠٠ جنيه انتاج التبن = ٩4٠٠جنيه، يخصم منها تكلفة الفدان ١١٢٠ جنيه، تكون الأرباح : ٨2٨٠ جنيه مصري.
ثانياً زراعة البنجر/
يحتاج الفدان إلى ١٠ شكائر أسمدة، وتوفر وزارة الزراعة ٤ شكائر مدعمة للفدان فقط، بسعر ٢٨٠ جنيه لأربعة شكائر، ولا توفر أكثر من ذلك، مما يضطر الفلاح معه إلى شراء 6 شكائر أخرى، من السوق السوداء بسعر ١٤٠ جنيه للفوري “للكاش” وبالتقسيط يكون سعر الشكارة ١٨٠ جنيه، أي بالكاش يتكلف الفدان ٨٤٠ جنيه، وبالتقسيط يتكلف الفدان ١٠٨٠ جنيه للسماد، ويتكلف الحرث ٢٠٠ جنيه، وتتكلف الأيدي العاملة من أول زراعة البنجر إلى حصاده الآتي : أولاً الزراعة، ثانياً عمل الدقدقة وهي عملية إزالة الحشائش من حول البنجر، ثم عملية خف البنجر عبارة عن إخلاء عيدان البنجر في المكان الواحد للإبقاء على عود واحد فقط، بعد ذلك تأتي عملية الري بالأسمدة، ثم إزالة الحشائش مرة أخرى، ثم حرث خطوط الري، ثم وضع السماد مرة أخرى، ثم ازالة الحشائش مرة أخرى، ثم فترة نقاهة، ثم تخليع البنجر ثم “الضم” ثم إزالة الأوراق، ثم تحميله لرفعه على الطريق، ثم الذهاب به إلى المصنع، تتكلف هذه الإجراءات مبلغ ١٣٠٠ جنيه للفدان الواحد، + سعر النقل من الأرض إلى الطريق ١٣٠ جنيه للفدان + أدوية زراعية تتكلف في المتوسط ٢٠٠ جنيه للفدان، يكون إجمالي تكلفة الفدان، ٣١٩٠ جنيهاً، تخصم من إجمالي ناتج الفدان وهو ١٠٠٥٠ جنيه – ٣١٩٠ جنيه = ٦٨٦٠ جنيه مصري.
من خلال المقارنة السابقة يتبين أن أرباح المزارعين من زراعة فدان القمح، هي ٨2٨٠ جنيه، وأرباح زراعة البنجر هي ٦٨٦٠ جنيهاً، أي أن، المزارع المصري في عام ٢٠١٤م يستطيع أن يحقق فائدة أكبر من زراعة القمح تزيد عن زراعة البنجر بمقدار ١4٢٠ جنيهاً.
في النهاية أقول يجب أن تأخذ الدولة بالآتي لحل أزمة القمح :
أولاً/ على الدولة أن تقوم بخفض قيمة شراء القمح المحلي، لتتساوى مع نفس أرباح محصول البنجر.
ثانياً/ في حال قامت الدولة بعمل توازن بين سعر شراء القمح، ليتناسب مع نفس الأرباح المحققة من محصول البنجر، فإن الفلاحين سيقومون بزراعة القمح، نظراً لأنه لزراعتة فوائد عديدة تعود على الأرض، بما يؤثر على الزراعات الصيفية التالية للقمح، سواء أكان القطن أو الأرز أو الذرة.
ثالثاً/ على الدولة أن تقوم بشراء القمح مباشرة من الفلاحين، دون السماح بدخول وسطاء بين الدولة وبين الفلاحين.
رابعاً/ على الدولة أن لا تجعل تجاراً محددين، يخصص لهم حق شراء “الردة” من شركات المطاحن، فذاك أمر يفتح باباً للفساد.
خامساً/ على الدولة أن لا تشتري القمح المستورد من التجار، وقت حصاد القمح المحلي، وأن يُفعل القانون، على الموظفين المرتشين اللذين يعطون أولوية للقمح المستورد ! مما يتسبب في نفاذ المال المخصص لشراء القمح المحلي، ونفاذ أماكن تخزينه أيضاً.
سادساً/ على الدولة أن تبدأ في خفض سعر شراء القمح المحلي، ليتناسب مع السعر العالمي، رويداً رويداً.
وعلى الله قصد السبيل