كتاب 11
هو العَشا إمتى
تِسلَم لي عزيزي القارئ، أعلم تماماً إنك أصيل وكريم، ولست كريماً فقط إنما كريم العنصرين (ياريت تبقى تفكرني نشوف موضوع العنصرين ده بعدين في مقال قادم)، ولكني في حقيقة الأمر (مش رامي هِلب) ولا أبحث عن عزومة عَشا لطيفة تملأ المعدة وتَسُد الجوع وتجعلني أنام مرتاحاً سعيداً هادئ البال، بل أطمع و أطمح إلى ما هو أبعد من ذلك
إذ أني أطرح هذا السؤال بالنيابة عن نفسي وبالأصالة عن جموع الشعب الغفيرة (مرتاحة كانت أو فقيرة)، فهناك مَن عَشاه لقمة عيش إقتصادية، وهناك مَن عشاه عدالة مُنجِزة قضائيا ًتُشفي الصدور وتُحيي الأمل، وهناك مَن عشاه تحقيق أهداف ثورتين سياسياً بَذَلَ من أجلِهما الغالي والنفيس لتَلِم الشمل وترتق لا مؤاخذة (الفتق)، ولكن لماذا العشا وليس الإفطار أو الغداء، وما علاقة السؤال بالحكمة أو الحقيقة أو المثل “يابني ماحدش بينام من غير عشا”، عفواً عزيزي القارئ كفاية “فتاوي” و دعني أُكمِل مجموعة تداعيات الأفكار التي تداعت علي قبل ما السلاطات تنزل، أولاً هذا السؤال العبقري كان “إفيه أو لازمة” على لسان الممثل الجميل سيف الله مختار في فيلم “عماشة في الأدغال”
وهو فيلم من الأفلام التي كانت تُسَمى بأفلام المقاولات عوضاً عن نعتها بالتفاهة والسطحية وعدم الإتقان والتي كانت تدور أحداثه بدولة إفريقية، ولكن بعد فترة من الزمن تم الكشف عن إن المخابرات إستغلت هذا الوضع لتنفيذ عملية في غاية الحرفية والإتقان لتدمير حفار إسرائيلي بميناء تلك البلد (أو كخطوة في الطريق إلى ذلك)، وهنا أطرح أول تداعية وهي أن من الممكن – بل حدث ويحدث – إستغلال كيان أو مجموعة أو جماعة تتسم بالسطحية والتفاهة وعدم الإتقان كواجهة لأعمال مخابراتية غاية في الإتقان
ثانياَ طوال أحداث الفيلم يقوم الجميع بالهري والجري واللهث وراء كنز مزعوم وهوية مزعومة (لجِد عماشة)، إلا هو الذي أدرك (بفطرته) عبثية الوضع والهري كما أدرك فوات الإفطار و تواضع الغذاء (لسخونة الوضع) فسأل عن العشا (مستقبل، بأسهلها لك أهو عزيزي القارئ)، إذ أن لابد لهذا الهري والجري أن يتوقف بعد عناء اليوم، ولابد للعشاء أن يكون مرضياً كافياً مشبعاً للجميع وإلا ….. وإلا ماذا؟ ….
هنا يأتي دور حكمة “يا بني ماحدش بينام من غير عشا”، قد تكون حقيقة في البلدان الغنية ولكنها عندما تقال من هنا فمن المؤكد أنها ليست بحكمة أو مثل أو حقيقة بل تحذير، بالفعل من لا يستطيع التكفل بالعشا فما بالك بالغداء والإفطار، كيف يستطيع النوم وهو يتلوى جوعاً، وإذا لم يَنَم فيما سيفكر وعلى ماذا سيصب جام غضبه وجوعه، إنه بالفعل تحذير يجعلني أُلِح في السؤال والإستعجال “هو العشا إمتى …… أط أط أط”.
aymehrem@yahoo.com