آراء حرة
سامر أبو هواش يكتب : ما سرّ حقد القرضاوي على الإمارات؟
رغم غرابتها الشديدة، فإن “تصريحات” (وكنا نودّ أن نقول خطبة) القرضاوي اليوم في الدوحة، ليست بالجديدة ولا المفاجئة. المفاجئ الوحيد فيها ربما هو شدة صلفها ورعونتها: الرجل لم يعد مضطراً إلى التقنّع والتخفي بعباءة رجل الدين والدعوة، وبات ينطق، وإن من على منبر مسجد بهويته الحقيقية، واحداً من قياديي الصف الأول في تنظيم الإخوان المسلمين.
أمر آخر مفاجئ/غير مفاجئ في خطبة القرضاوي التي “كفّر” فيها حرفياً دولة برمتها، هي الإمارات العربية المتحدة، هو أنها عرضت على التلفزيون الرسمي القطري. ومع أن القرضاوي معتاد على قول مثل هذا الكلام وأكثر منه على شاشة الجزيرة التي تكاد تكون التلفزيون الرسمي لتنظيم الإخوان، إلا أن استغلال منبر مسجد دولة مثل قطر، والتلفزيون الرسمي لهذه الدولة، لشنّ هجوم من هذا القبيل، على دولة أخرى يفترض أن تكون “شقيقة” و”جارة”، هو الأمر الذي يدعو إلى العجب، والسؤال هنا: هل تحوّل القرضاوي إلى مؤسسة أو ماركة عابرة للبلدان، بحيث يمكنه الوقوف على المنابر وشنّ الحملات الفتنوية المغرضة، وتكفير من يشاء كيفما يشاء، دونما حسيب ولا رقيب؟
يبقى هذا السؤال في رسم المستقبل، أما الأمر اللافت فعلاً في كلام القرضاوي اليوم فهو إسقاط كلّ الأقنعة السابقة عن وجهه شخصياً، كما عن وجوه الذين انبرى للدفاع عنهم. فـ “الإسلام” بالنسبة إلى القرضاوي هو الإخوان المسلمين، وما غضبته تلك على الإمارات، وإعلانها عدواً للإسلام، إلا لكونها وقفت وما زالت تقف ضدّ محاولات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين مدّ أذرعه إليها، وبناء خلايا سرية فيها، وما قيام الإمارات بالدفاع عن مصالحها كدولة مستقلة ذات سيادة، وما رفضها نشوء جماعات حزبية تعمل لصالح أجندات خارجية، بالنسبة إلى القرضاوي، سوى اعتداء صارخ على “الإسلام”، بالتحديد لأنه لا يرى الإسلام إلا من خلال عدسة تنظيمه الضيقة، كما لا يفقه القرضاوي معنى أن تقوم دولة بحماية مصالحها وأمنها واستقرارها، وأن ترفض قيام كيانات غريبة، لا تهدف ولا تسعى سوى إلى الاستيلاء على السلطة، ولو اضطرها الأمر إلى تقويض كلّ ما تمّ بناؤه، مثلما رأينا في حالة مصر، ومثلما نرى في جميع نماذج الإسلام السياسي، وآخرها حزب أردوغان في تركيا.
ينبّه هجوم القرضاوي هذا إلى أمر أساسيّ آخر هو مدى تهافت مشروع الإخوان المسلمين. والتهافت هنا ليس قاصراً على الحضور السياسي أو الجماهيري أو الشعبي، بقدر ما هو تهافت جوهر المشروع الإخواني بوصفه مشروعاً متأخراً على العصر، منقلباً بطبيعته وفي تأسيسه على فكرة الدولة نفسها، بل إن الدولة الحديثة بالنسبة إليه، هي العدو الأول الذي ينبغي تقويضه بكل السبل، وما استخدام القرضاوي وأمثاله لمفهوم الجهاد وتوظيفه لمآرب سياسية، في لعبة التوازنات والحسابات والألاعيب السياسية، مثلما رأينا في حالة سوريا، إلا نموذجاً معبراً عن فهم أولئك المشوه للإسلام، لا كمنظومة قيم يفترض أن تقود المجتمعات نحو التقدم والارتقاء، بل كأداة يمكن تطويعها وابتذالها، بل وحتى تدميرها، من أجل أجندة حزبوية عصبوية ضيقة.
أجل، كانت الإمارات، وستبقى، هدفاً للقرضاوي وتنظيمه، لأن المسار الذي سلكته هذه الدولة وتصرّ على أن تمضي به قدماً، يتناقض تناقضاً جوهرياً مع مشروع التنظيم ومع فهمه المتخلّف للدولة، تلك الدولة التي لا يراها متقدمة إلا إن ارتدت عباءة الإخوان، ولا صالحة إلا إن تبنّت منطق الإخوان، ولا حكيمة إلا إن نطقت بلسان الإخوان. بيد أن ما قاد القرضاوي في نهاية المطاف إلى مثل هذه التصريحات الخرقاء اليوم هو إحساسه العميق بأن مشروع العصابة – عصابة الإخوان – هزم بالفعل أمام مشروع الدولة الذي تعدّ الإمارات أحد أنصع وأفضل نماذجه العربية الراهنة.