آراء حرة
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب : المستوطنون مقابل السلام
بعد أعوام من المفاوضات العقيمة والقبلات الحارة، أطلق نتانياهو رصاصة الرحمة على حلم الفلسطينيين داخل سياج الوطن وخارجه، وأعلن من طرف واحد أنه لن يضطر المستوطنين اليهود لمغادرة مستعمراتهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت أي ظرف، وأنه لن يسمح بتكرار مشهد الانسحاب “المهين” من قطاع غزة عام 2005. وبهذا يؤكد الرجل صدق نبوءة رئيسنا المخلوع حين قال بأن شارون آخر من يمكن التفاوض معه.
وعليه، لا يجوز التفاوض على إخلاء يهوذا والسامرا من أبنائها التلموديين، ولا يحق لكائن من كان جر المستوطنين من أقفيتهم وإخراجهم من ضواحي أورشليم، وعلى المتضررين اللجوء إلى مجلس الأمس أو التظاهر في لاهاي، فقد سبق سيف نتانياهو العزل، وأعجزت كلماته قول كل متفاوض متحذلق أريب. لا صوت يعلو فوق صوت نتانياهو في منتدى دافوس أيها الحالمون بالعودة، ولا راد لكلماته التي وزعها على وكالات الأنباء العالمية هناك.
في كلمته المستفزة، حاول نتانياهو أن يطمئن المستوطنين على دورهم وممتلكاتهم في القطاع، ويؤكد أنهم سيبقون نصف مليون لغم في خاصرة أي دولة فلسطينية مستقبلية، وأن مفاوضات السلام ستبدأ من حيث انتهى شاء من شاء وأبى من أبى. لكن نتانياهو لم يتحدث عن مصير ما يناهز المئة ألف مستوطن الذين يعيشون فوق خارطة المستقبل الفلسطينية الموعودة خارج المستوطنات، وما إذا كان مستعدا لإخلائهم بالقوة في حال رفضوا الخروج من حدود الدولة الهلامية. لكن أحد المقربين من الرجل يؤكد أنه لن يجبر أحدا على الرحيل قسرا.
“لماذا يصر الفلسطينيون على تطهير أراضيهم من عرق الغزاة في حين يقبل الصهاينة بتقييد عشرين بالمئة من الفلسطينيين في سجلاتهم الرسمية ويمنحوهم الجنسية العبرية ويسمحوا لهم بالبقاء فوق أراضيهم المحتلة؟” منطق بنياميني يتحدى الصرخات العريقية في مجالس التفاوض المتلفزة. ألم يطرأ على ذهن المفاوض الفلسطيني يوما وهو يطالب بإخراج آخر مستوطن من خرائطه القديمة أنه يمارس رذيلة التطهير العرقي البغيض على أرض تتسع لكل الأقدام الغازية، وأنه عنصري جدا حين يطالب باستعادة ما استلب من تاريخه وأرضه؟
على الفلسطينيين أن يتقبلوا فكرة التعايش الحضاري مع القادمين من شتى بقاع الشتات بعد أن تبين لهم أن طائرة بحجم الكف أكبر من كل الخرائط العربية المهشمة، وأن طائرات التجسس التي تستبيح عريهم أصدق أنباء من سيوف العرب وكتبهم التاريخية العتيقة. ولينزل المفاوض الفلسطيني إذن من حضيض إلى حضيض تباركه لعنات أبناء صهيون، وليقبل بتبادل الشعوب عوضا عن الأرض، وبخطط المستقبل بدلا من السقوط المهين في شرك خرائطه القديمة.
لكن نتانياهو لم يتناول فكرة الجنسية المستقبلية لأصحاب المستوطنات في الضفة وأورشليم الشرقية، ولم يوضح ما إذا كان الإسرائيليون داخل أسوار مدينة الأوهام سيمنحون بالقوة جنسية فلسطينية مستحقة، أم يظلون مواطنين عبريين فوق كثباننا العربية المحررة؟ فكثير من أصحاب المستعمرات يرفضون رفع علم فلسطين المستقبل فوق صواري منازلهم ومدارسهم ودور عبادتهم. يقول داني دايان، وهو أحد المستوطنين الرافضين لخطة نتانياهو الاستباقية: “من حقنا كمستوطنين البقاء فوق أرضنا، لكن تحت راية إسرائيلية. فأنا لم أتكبد عناء القدوم إلى هنا لأعيش في كنف دولة يحكمها الفلسطينيون.”
كما أن بعضا من المتنفذين في حلف نتانياهو اليميني يرفضون خطة التوطين المقترحة بشدة. يقول نافتالي بينيت وهو أحد أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر وأحد أعضاء الليكود البارزين: “من العته أن يتصور أحدهم أن يعيش الإسرائيليون تحت وصاية فلسطينية لأن هذا يقوض فرصة وجودنا في تل أبيب.”
حمدا لله أن جعل من بين أبناء الليكود وأشاوس المستوطنين من يقف لنوايا نتانياهو العدوانية بالمرصاد، فقد كفانا هؤلاء وأولئك معرة الوقوف منكسي الرؤوس في مفاوضات عربية جديدة. يمكن للفلسطينيين إذن أن يراهنوا على المعارضة الإسرائيلية لخطط اليمين المتطرف، صحيح أنهم أكثر تطرفا من كل يمين، إلا أنهم قادرون على دعم مفاوضينا العجزة وتقوية ظهورهم في موسم التخاذل العربي حتى حين.
أديب مصري مقيم بالإمارات
Shaer129@me.com