مصر الكبرى
المعارضة المصرية تلجأ إلى خيار جحا لمواجهة الإخوان
رغم نجاح محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان في انتخابات الرئاسة المصرية، ورغم كل ما استطاع مرسي تحقيقه في أقل من ثلاثة أشهر من سيطرة شبه كاملة على جميع سلطات الدولة – بما في ذلك الجيش – فإن الوضع السياسي في مصر لم يستقر بعد على شكله النهائي الذي سيحكم البلاد بعد ثورة 25 يناير..
فلا يزال المشهد السياسي في مصر ينتظر كتابة الدستور وانتخاب برلمان جديد يتولى مهام السلطة التشريعية، ويقوم باختيار رئيس الوزراء الذي سيحكم مصر في السنوات الأربع القادمة. ومن المتوقع أن تنتهي الجمعية التأسيسية للدستور من عملها في أواخر سبتمبر (أيلول) الحالي، يتم بعدها إجراء استفتاء على مشروع الدستور لإقراره، على أن تجري انتخابات البرلمان الجديد قبل نهاية العام الحالي.
لهذا نشطت جماعات المعارضة المصرية في محاولة لجمع شملها وتشكيل جبهة واحدة تستطيع أن تنافس تيار الإسلام السياسي في الانتخابات البرلمانية، على أمل أن تتمكن من حرمان الإخوان وحلفائهم من الحصول على أغلبية مطلقة تمكنهم من تشكيل الحكومة القادمة. إلا أن المعارضة المدنية تسير في ذات الطريق المعاكس الذي أدى إلى فشلها في الانتخابات السابقة؛ فبدلا من البحث عن مؤيديها في صفوف الناخبين المعارضين للدولة الدينية، لجأت المعارضة المصرية إلى خيار جحا للبحث عن مؤيديها في ما سمته بالخيار الثالث، الذي ثبت فشله في المرة السابقة. ويحكى أن جحا وقف مرة تحت عمود نور في شارع مظلم يبحث عن قطعة من النقود ضاعت منه، ولما سأله الشرطي عن المكان الذي فقد فيه قطعة النقود، أشار جحا إلى الجانب الآخر من الطريق. فسأله الشرطي متعجبا: إذا كانت النقود قد ضاعت منك في الجانب الآخر، فلماذا تبحث عنها هنا؟! فرد جحا قائلا: لأن الجانب الآخر مظلم وهذا مضيء.. فقد بينت انتخابات الرئاسة التي فاز فيها محمد مرسي في يونيو (حزيران) الماضي، انقسام الناخب المصري إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم يريد جماعة الإخوان المسلمين ويرغب في إقامة حكم ديني للبلاد ولذلك اختار محمد مرسي، وقسم آخر يريد الحفاظ على النظام المدني وتحقيق الأمن والاستقرار وهو الذي اختار أحمد شفيق، وقسم ثالث رفض الخيارين السابقين وأراد العودة إلى نظام جمال عبد الناصر وانقلاب يوليو (تموز). وبينما حصل مرسي الذي يمثل التيار الديني في انتخابات ما قبل الإعادة على 5 ملايين و477 ألف صوت بنسبة 25.3 في المائة، تفوق التيار المدني الممثل في أحمد شفيق وحمدين صباحي الذي حصل على 9 ملايين و860 ألف صوت بنسبة 44.2 في المائة. ورغم تفوق التيار المدني في هذه الانتخابات فقد فاز المرشح الإسلامي بمقعد رئاسة الجمهورية بأغلبية لا تزيد على 882 ألفا و751 صوتا، نتيجة سلوك التيار المدني الذي انقسم بين مصوت لمرسي وممتنع عن التصويت.
وبدلا من الاعتماد على أصوات الملايين التي أعطت أصواتها لأحمد شفيق في انتخابات الرئاسة والتي وصلت إلى نحو 49 في المائة من أصوات الناخبين، تحاول قوى المعارضة تكوين تحالف جديد يضم ما سموه «التيار الثالث»، ويمثله «التيار الشعبي» الذي أسسه حمدين صباحي وحزب الدستور الذي كونه الدكتور محمد البرادعي. كما تحاول قيادات التيار اليساري في حزب التجمع والتحالف الاشتراكي توحيد صفوفها، في الوقت نفسه الذي أعلن فيه عمرو موسى – الأمين العام للجامعة العربية السابق – عن تكوين «تحالف الأمة المصرية» الذي يضم عشرة أحزاب وقوى سياسية، من بينها حزب الوفد. وقال موسى إنه سيطلب من حمدين صباحي مؤسس حزب الكرامة، ومحمد البرادعي مؤسس حزب الدستور، الانضمام إلى التحالف.
لكن حمدين صباحي الناصري – الذي تسبب في هزيمة أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة – قد فقد أرضيته الآن تماما بعد قرار مرسي الجريء في 12 أغسطس (آب) الماضي، بوضع آخر مسمار في نعش النظام الناصري وإلغاء تدخل الجيش في السياسة، الذي كان من المطالب الرئيسية لثورة يناير (كانون الثاني).. فقد ذهب صباحي إلى محافظة أسيوط مسقط رأس جمال عبد الناصر، ليعلن ضرورة العودة إلى النظام الناصري ويعتبر الولايات المتحدة – التي تنفق على تسليح الجيش المصري من ميزانيتها الخاصة – هي خصم مصر الرئيسي بالاشتراك مع إسرائيل. ولم يخف حمدين صباحي تحمسه لانقلاب يوليو العسكري في 1952 حتى بعد ثورة يناير، بل قال بصراحة إنه يعتبر نفسه «جسرا بين ثورة (انقلاب) يوليو وثورة 25 يناير».
الآن بعد انهيار الحلم الناصري، لم يعد في مصر سوى تيارين سياسيين لا ثالث لهما: تيار الدولة الدينية وتيار الدولة المدنية ستحسم النتيجة لصالح أحدهما في الاستفتاء على الدستور وانتخاب مجلس الشعب.. فبدلا من إضاعة الوقت وفقدان الأصوات في البحث عن تيار ثالث لا وجود له الآن في مصر، على المعارضة المصرية أن تحتضن أولئك المصريين (حزب الكنبة) – وأن تصوت معهم – لا ضدهم – هذه المرة، لو أرادت النجاح. ويبدو أن هذا هو ما توصل إليه محمد أبو حامد – عضو مجلس الشعب المنحل عن حزب المصريين الأحرار – الذي أعلن أنه سيحاول تجميع أصوات الذين أيدوا أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة، لدعم حزبه الجديد «حياة المصريين» الذي ينوي تأسيسه الشهر الحالي.