مصر الكبرى

11:30 صباحًا EET

الإخوان .. وسياسة الاستحواذ على مواقع الدولة

مناورة < الكتاتني > فشلت لفرض حكومة من < الجماعة >
إقصاء القوى الوطنية والضغط للوصول إلى موقع الرئاسة
كتب – يسري حسين 
اعتمد الاخوان المسلمون منذ تفجير ثورة يناير على أسلوب المراوغة الذي ميز تاريخهم الطويل . فمنذ البداية أحجموا عن تأييد الإضراب الشامل الذي دعت إليه الحركات الشبابية اعتراضاً ومواجهة مع نظام مبارك السابق . وعندما أدركت < الجماعة > اتجاه الرياح في صالح الغضب الشعبي سمحت لأعضائها بالمشاركة والنزول إلى الشارع .

بعد سقوط مبارك حاولت الجماعة التهام < الكعكة > السياسية وإبعاد الأطراف الأخرى التي شاركت في الثورة بل كانت في قلبها . ومنذ تلك الأيام بدأت سياسة المناورات والتراجع ثم التقدم والزحف نحو الزهور على قمة المشهد والاستحواذ عليه .
وقد تحالف الإخوان في البداية مع المجلس العسكري ، وتتحدث تقارير عن صفقات تمت سهلت من زيادة نفوذهم والسيطرة على الأحداث السياسية وتطويق السلطة الجديدة التي تدير البلاد في محاولة الانفراد بها .
كان المشهد تكرار لما حدث مع عسكر عام 1952 بالخطوات ذاتها حيث كانت نية الاحتواء في البداية مما أدى إلى شهر عسل مع السلطة الجديدة ثم انفجار الخلاف والنقمة واندلاع حرب التصفية التي ارتفعت أمواجها إلى السماء مع حادث المنشية الذي جرى في الإسكندرية وبدء اعتقالات دامية وتوتر الساحة السياسية كلها . كان خطأ تلك الأعوام والذي يتكرر الآن نتيجة محاولة الانفراد بالمشهد السياسي كله وتسخيره لصالح نفوذ الجماعة . وتشير وثائق هذه الفترة لحماس سيد قطب الإخواني البارز في الدفع لمعاداة الديمقراطية والدعوة لتصفية الأحزاب المصرية كلها ، خصوصاً حزب الوفد الذي كان على خصومة شديدة مع الإخوان لخلاف على نهج ديمقراطي لا تؤيده الجماعة وتعتبره من الكبائر .
شجعت < الجماعة > عندما انفردت بالمشهد السياسي على ديكتاتورية النظام واعتبرت تصفية الأحزاب المصرية ضرورة للتخلص من الفساد . وكان الهدف الواضح الانفراد والاستحواذ وإقصاء الآخرين عن المسرح السياسي .
وتولى المجلس العسكري ليوليو في هذا الوقت خداع الإخوان وتنفيذ الخطط التي دعوا إليها فكان حل الأحزاب بالكامل واستثناء < الجماعة > من الحل باعتبارها ليست حزباً وإنما جمعية أهلية تعمل في شؤون الدعوة .
وقد هلل الإخوان لحل الأحزاب ، وهو الأمر الذي دفعت مصر ثمنه غالياً لتدهور الآداء الديمقراطي وانفراد السلطة الحاكمة بالمشهد كله لمدة طويلة حتى حدثت النكسة العسكرية .
كانت < الجماعة > تعتقد انها وضعت القيادة العسكرية في ذلك الوقت داخل جيبها ، ولكن كان هناك من هو أشد مكراً منها ، وبدأ يناوشها ويضيق عليها ، مما أدى إلى انفجار بين الطرفين . غير أن السلطة كانت حصلت على أسماء التنظيم السري ، وعندما حدثت موقعة < المنشية > بدأ الصدام المروع والذي تكرر مرة أخرى في عام 1965 مع ظهور الموجة التالية من تنظيم الإخوان المسلمين على يد سيد قطب الذي أعدمته الحكومة عقاباً على تمرد ادعت انه كان يستهدف أمن الدولة ويحرض على استخدام السلاح .
وعندما جاء الرئيس السادات إلى السلطة انحازت < الجماعة > إلى نظامه . وهناك وثائق تكشف التعاون الخفي في الجامعات المصرية لإقامة منظمات دينية تميل إلى الإخوان لمواجهة التيارات المناوئة للرئيس المؤمن .
وارتضت < الجماعة > إقصاء كل القوى الوطنية من الساحة الوطنية بل مطاردتها .
ويذكر محمود جامع في كتاب له عن السادات ، اسرار هذه المرحلة وتولي محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل تهيئة الأجواء بأمر النظام أمام جماعات خارجة عن القانون أشرف عليها لقيادة العمل الطلابي في الجامعات المصرية وتأييد سياسات الرئيس والتصدي لخصومه .
ويذكر طارق البشري في كتابه عن تاريخ الحركة الوطنية أن الجماعة في عهد الملك فاروق كانت توجه نشاطها ضد حزب < الوفد > وتؤيد أحزاب الأقلية المعادية للديمقراطية والحريات .
هذا التاريخ أعاد نفسه مع ثورة 25 يناير المصرية ، إذ قفز الإخوان إلى مقدمة الساحة للانفراد بها وتحالفوا مع المجلس العسكري مما أدى إلى سياسات خاطئة تماماً أربكت المشهد الديمقراطي الذي تبلور خلال أيام الثورة بالتوافق والإجماع والتفاعل مع أطر الوحدة الوطنية .
وقد رفض الإخوان المشاركة بالضغط السياسي لدفع مشروع الدستور أولا ووجدوا في الإعلان الدستوري ما يلبي طموحتهم للانفراد بالساحة دون النظر إلى أخطاء قاتلة تفتح الأبواب أمام خلافات وتفسيرات تثير الاضطراب والصراعات .
وأدى فوز حزب العدالة والحرية في انتخابات برلمانية بنسبة عالية ، لزيادة جرعة المناورة للانفراد بالساحة . وكانوا تعهدوا بعدم دخول الانتخابات البرلمانية للحصول على أغلبية كاسحة بهدف ترك مساحة للقوى الأخرى ، غير أنهم سريعاً ما تراجعوا عن هذا التعهد ودفعوا بكل طاقاتهم ونفوذهم وأموالهم لاستغلال الاحوال المتردية لدفع بنواب لهم مع حلفاء سلفيين للهيمنة على البرلمان .
كان يهمهم أولاً الهيمنة على برلمان يحتوي عليهم فقط ، لكنهم لم يدركوا أن ذلك يضعهم في ميزان الضعف السياسي وعدم القدرة ، خصوصاً وأن الحليف السلفي ليست لديه خبرات برلمانية أو سياسية ، وسيندفعانصاره نحو اداء أهوج وسريع لطرح ملفات وقضايا شكلية لا تمس جوهر مشاكل الشعب المصري .
وقد بدأ البرلمان يظهر بعيوبه ونقص تجاربه مع غرور القوى الإسلامية بأنها تسيطر وتطرد الآخرين ، مع إهمال المجتمع كله والانفراد بالمشهد .
وعندما تم اعداد قائمة اختارها البرلمان لكتابة الدستور ، انفرد الإخوان بالأغلبية وأعطوا رئاسة اللجنة لسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ، مع تجاهل لخبرات قانونية ولأطياف المجتمع المصري . وكأن الدستور هو للإخوان فقط ، وكأن مصر دانت لهم دون كافة المصريين .
هذا الوضع أظهر المراوغة في أعلى درجاتها ، وهذا ما تأكد أيضاً بعد فتح باب الترشيح للمنصب الرئاسي . كان الإخوان تعهدوا بعدم دفع مرشح لهم لترك الفرصة لشخص آخر يمثل التوازن مع برلمان يسيطر عليه الإسلاميون. لكن الجشع السياسي جعلهم يتراجعون عن تعهداتهم السابقة ، ودفعوا بخيرت الشاطر إلى المواجهة .
أدى ترشيح الشاطر إلى هزة حقيقية لا تزال قائمة على الرغم من اختفائه نتيجة تدخل اللجنة العليا للانتخابات .
وقد رشح الإخوان محمد مرسي للتنافس على مقعد الرئيس ومحاولة الاستحواذ بالكامل على جميع مرافق الدولة ، مما يربك الحياة السياسية المصرية نتيجة ممارسات < الجماعة > التي لا تزال تمارس أسلوبها القديم وجوهره هو ذاته : الاستحواذ على كل شئ أو تفجير الموقف بإثارة الخلافات والصراعات والتصادم العنيف .
لقد ناور الكتاتني رئيس مجلس الشعب بعدة أوراق فشلت جميعاً ، فكان الطريق المفتوح هو الإندفاع بتهور شديد للتصادم والمواجهة والتدمير للسقوط في فوضى شاملة ، وتدمير الأمل الديمقراطي ، طالما أن الإخوان لم يحققوا أهدافهم المعلنة بالوصول إلى كل المواقع من البرلمان إلى كتابة الدستور وتولي الوزارة إلى رئاسة الدولة نفسها .

التعليقات