مصر الكبرى
إنجي سليمان تكتب … الهروب الكبير !
يتركز المشهد على ساقيه القصيرتين وهو يجري بمنتهى السرعة بجوار الحائط، ثم تبدأ الشاشة في الاتساع ليظهر القط في الخلفية وهو يضغط على طرف ذيل الفأر ويبتسم ،ليتضح لنا ان الفأر كان يحاول محاولة مستحيلة للهروب ويظن انه نجح، ولكن الحقيقة انه لم يتحرك ابدا من مكانه وان القط فقط يتسلى بمشاهدته وهو يبذل هذا المجهود في محاولته الفاشلة.
هذا بالظبط هو ما يحدث احيانا عندما تحاول الهروب من نفسك والاختلاء بها ولو لساعة واحدة، محاولة فاشلة جدا للهروب من الافكار، ومن اللوم، ومن التصحيح، او حتى من التأمل والتشجيع على فكرة او مجموعة افكار، تلك اللحظات التي نحاول فيها الهروب باستماتة من انفسنا حتى لا نفكر، او احيانا حتى نهرب من اتخاذ قرار معين، هذا النوع من الافكار الذي يترتب عليه غالبا قرار معين، او تغيير في خطط الحياة، والانسان بطبعه لا يحب التغييرهنا تبدأ الفقرة الهزلية عندما تبدأ في اختراع الحجج او الاحداث التي تملأ بها اليوم حتى لا تجد وقت للتفكير، التلفزيون الممل في اغلب الاوقات يصبح مسلي جدا وتظهر الافلام والبرامج الجديرة بالمشاهدة والمتابعة، القراءة حتى للكتب الموجودة في المكتبة منذ اعوام وقمت بقرائتها عشرات المرات تكون لقرائتها اهمية كبيرة، والاصدقاء الذي انتهت علاقتك بهم من سنوات يصبح الاسؤال عنهم من الاشياء الملحة جدا في تلك الفترة، الاعمال المنزلية التي نؤجلها قدر الامكان لنقوم بها في نهاية اليوم تصبح من الاولويات التي لا يمكن تأجيلها ولو للحظة واحدة.وفي وسط هذه الاحداث المتلاحقة تجد نفسك التي تتهرب انت منها تبتسم تلك الابتسامة الساخرة وهي تراقبك في لحظات الهروب الفاشلة، وتجدك ايضا مستسلما لتلك الحظة، مطأطأ الرأس، متهدل الاكتاف، منقاد للجلوس والتفكير العميق، والاستماع الى صوت نفسك، ومتخذا للقرار الذي طالما حاولت الهروب منه، والغريب انه بعد تلك اللحظة يأتي شعور رائع بالراحة لإتخاذ القرار بإنهاء او بدء موضوع مثلا، او ايا كان هذا الذي احتاج الي التغيير، وتقرر ايضا انك لن تسمع الا الى صوتك الداخلي، وتقرر ايضا انه في المرة القادمة ستهرب الى نفسك لتأخذ قراراتك في اسرع وقت ممكن، ولكن في الحقيقة فإنه مع بداية اي موقف جديد تبدأ لحظات الهروب الكبير مرة اخرى والتي تنتهى ايضا نفس النهاية.