مصر الكبرى
المصرية نصف الثورة هل تودّع الحريات بفتاوى؟
تعيش المرأة المصرية فترة من أكثر الفترات حراكاً وتطلباً للجهد من أجل إعادتها إلى الزمن الجميل. ولأن جمال الزمن وحلاوته لا يُقاسان بمقياس واحد فقط، فإن ما يعتبره البعض انتقاصاً من وضع المرأة وتقزيماً لها، يراه آخرون تكريماً لها وتبجيلاً لخصوصيتها. وهذا تحديداً ما يحدث في مصر هذه الآونة، وتزداد ملامحه بلورة مع وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم، بفضل ثورة أجّجتها المرأة ووقفت في صفوفها الأولى ولم تبرح شوارعها إلا بعد التأكد من نجاحها.
بعد أشهر طويلة من انتظار ما ستسفر عنه إنجازات الثورة المصرية والمكاسب المتوقع جنيها من أجل المرأة التي صنعت الثورة مناصفة مع الرجل، بدت الصورة واضحة إلى حدّ لم يترك مجالاً للشك.
صدمة شديدة عبَّر عنها تحالف المنظمات النسوية المصرية قبل أيام، بسبب ضعف تمثيل المرأة في الفريق الرئاسي، والذي اقتصر على ثلاث سيدات فقط لا غير. ووصف التحالف – الذي يحوي 16 منظمة وجمعية حقوقية نسوية مصرية – نسبة تمثيل النساء في فريق الرئاسة الذي أُعلن تشكيله قبل أيام بأنها «لا تلبّي طموحات المنظمات النسوية ومطالبها المتمثلة في زيادة تمثيل السيدات في المواقع القيادية في الدولة». يُشار إلى أن التشكيل الرئاسي ضمّ أستاذة العلوم السياسية الدكتورة باكينام الشرقاوي والكاتبة الصحافية سكينة فؤاد وعضو اللجنة التأسيسية لصوغ الدستور الدكتورة أميمة كامل.
وتتهم هذه المنظمات الرئيس محمد مرسي بأنه لم يفِ بوعوده بتعيين امرأة في منصب نائب الرئيس، وأن تشكيل الفريق الرئاسي جاء ليُثبت أن النساء لسن على أجندة الرئيس، فضلاً عن أن غالبية من وقع عليهن الاختيار ينتمين إلى تيار الإسلام السياسي، وذلك على غير ما كان يجب أن يحدث بأن يتضمن سيدات من تيارات سياسية متنوعة.
تجاهل المرأة المصرية والعمل على إبعادها عن أرض الواقع اللذان أوديا بطموحات كل امرأة حلمت بغد أفضل، تجسد بتصريحات باكينام الشرقاوي التي أكدت عدم وجود منظمات نسوية في مصر، مقارنة بتونس، وبدلاً من أن تشير إلى الانتقاصات الفادحة التي أصابت حقوق المرأة المصرية ووضعها بعد سطوع نجم مطالب بعودة المرأة إلى البيت، أو إلغاء قوانين الخلع وغيرها من القوانين التي أنصفت المرأة، أو إلغاء قانون معاقبة التحرش الجنسي «لأنّ عري المرأة يُجبر الرجل على التحرش بها»، أكدت الشرقاوي أن «أوضاع المرأة المصرية تحسنت كثيراً»!
تحالف المنظمات النسوية رأى في مثل هذه التصريحات، انعكاساً واضحاً لعدم الإلمام بوضع المرأة المصرية الحقيقي، وبخاصة أن المعاناة والتهميش اللذين تعانيهما مثبتان بالأرقام والإحصاءات من واقع التقارير الوطنية والإقليمية والدولية، فضلاً عن الدراسات الأكاديمية للجامعات ومراكز الأبحاث المصرية ومنظمات المجتمع المدني (النسوية والتنموية والحقوقية).
المرأة الى وراء!
وتخوَّف التحالف النسوي من نقل صورة مغلوطة للرئيس عن أوضاع المرأة المصرية، معتبراً أن تعيين سكينة فؤاد في منصب «مستشار الرئيس»، وهي المعروفة بتوجّهاتها المناصرة لحقوق المرأة، وإلمامها التام بأوضاع منظمات المجتمع المدني وقضايا النساء، ضوء وحيد يلوح في نفق أوضاع المرأة المصرية المظلم.
وفي حين تحاول المنظمات والجمعيات الحقوقية النسوية استيعاب «ضربة» تشكيل هيئة الرئاسة ذات الأقلية النسوية، والتي يطغى عليها التوجه الإسلامي، خرج نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي بفتوى تعيد المرأة المصرية سنوات إلى الوراء، إذ أفتى بكراهية خروج الفتيات لمسافة 25 كيلومتراً للدراسة في كلية الهندسة، ونصح الفتيات بعدم الدراسة في كليات الهندسة «لأنها تحتاج مجهوداً شاقاً وفيها اختلاط بالرجال».
وفي وقت لم يصدر أي تعليق من دار الإفتاء (الجهة الرسمية المناط بها بالفتوى) أو مسؤولي التعليم والرئاسة على مثل هذه الفتوى، خرج «مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان» (منظمة حقوقية) ليستنكرها ويصفها بـ «المتشددة والشديدة الرجعية». وأشار المركز إلى أن الفتوى تصدر عن الجهة الرسمية المكلفة بذلك وهي دار الإفتاء، والتي تتكوّن من علماء كثر في تخصصات عدة. وقال المركز في بيان له إن «ما جاء على لسان الداعية ياسر برهامي لا يتعدى كونه رأياً مستقلاً، ولا يعتبر فتوى، بل رأي شخصي ووجهة نظر».
ورأى المركز فى الفتوى خطاباً شديد الرجعية وفرضاً للوصاية على النساء، وتعميقاً لمفاهيم التمييز وعدم المساواة، بل وتشويهاً لصورة المرأة المستنيرة والعاملة، بتقديمها على أنها امرأة مسترجلة، تخلّت عن أنوثتها ودورها كأم وزوجة، تقدم بأنانية حاجاتها الفردية على من حولها، ويقترن تحقيق ذاتها بإدارة صراع مع الرجل لا بمنطق التكامل الإنساني معه.
لكن يبـــدو أن مسألة التكامل الإنساني أبعــد ما تكون عن أذهان القيّمين على الأمور في مصر حالياً، إمّا من منطلق تخمة قائمة الأولويات بقضايا الخبز والاقتصاد المتعــــثر والأمن المفتقد وغيرها، أو لاختلاف كامل في مفهوم دور المرأة وحجــــمه والقدر الذي سيسمح به الرجل لها لتكون أو لا تكون. وتظهر المؤشرات أنها على الأرجح «لن تكون»، بسبب نص دستــوري يسطّره رجال ينتمون الى التيارات الإسلامية، مصدق بقوانين تصدر فـــي برلمان ذكوري، تتحدث فيه الأقلية النسائيــــة متبنية نظرية فوقية الرجل على المــــرأة، ومبارك من مشايخ يعتبرون خروج المرأة من بيتها رجساً من عمل الشيطان، ومحمود من مجتمع ما زالت ميوله ذكورية بامتياز!