أفضل المقالات في الصحف العربية
أكبر فضائح أميركا
مع نهاية السنة الميلادية أسجل أن الرئيس باراك أوباما لم يكن طرفاً في فضيحة شخصية من نوع ووترغيت أو مونيكا لوينسكي، إلا أنه بحكم المنصب مسؤول عن فضيحة أراها أكبر هي تجسس وكالة الأمن القومي على الحليف والخصم، وعلى القريب والبعيد، وعلى رئيس الدولة أو الحكومة والمواطن العادي الذي يهاتف أو يرسل رسالة إلكترونية.
الرئيس أوباما أستاذ جامعي في الدستور الأميركي، والتجسس الذي كشفه ادوارد سنودن يخالف نصّ الدستور الأميركي وروحه، وتعديلات الدستور. والرئيس ذكي جداً فلا يستطيع محاميه أن يستعمل عذراً يمكن أن يصدق عن جورج بوش الابن الجاهل الأحمق الذي حكم المحافظون الجدد باسمه.
سنودن كان شاباً متعاقداً مع وكالة الأمن القومي، ولم يتحمل ما يرى من مخالفة القوانين فسلّم ثلاثة صحافيين في ربيع هذه السنة ألوف الوثائق السرية، ما جعل وزارة العدل تتهمه في 23/6/2013 بالتجسس وسرقة ممتلكات حكومية. وهو الآن لاجئ (موقت) في روسيا.
الوثائق التي سرّبها سنودن كشفت مستوى من التنصت لو رأيناه في فيلم لقلنا إن المبالغة سخيفة ولا تصدّق، فقد اكتشف الأميركيون والعالم أن الوكالة تجسست على 35 زعيماً عالمياً، بينهم رئيسة البرازيل ديلما روسيف ومستشارة ألمانيا أنغيلا مركل ورئيس فرنسا فرانسوا هولاند. ومعهم شركات كبرى وجماعات إنسانية. في شهر واحد جمعت الوكالة 97 بليون تسجيلٍ شملت مكالمات هاتفية ورسائل إلكترونية وفيديوات وصوراً وفاكسات وغيرها.
بل إن التنصت شمل بعثات ديبلوماسية أجنبية في واشنطن ونيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، كما طاول أكبر شركات التكنولوجيا الحديثة، مثل غوغل وأبل ومايكروسوفت وفايسبوك وياهو، ما جعل هذه الشركات تبدأ البحث عن وسائل لتشفير مخزونها من المعلومات.
قرأت أن وكالة الأمن القومي اخترقت الألياف البصرية المستعملة في الهاتف والإنترنت، من دون أن تستأذن الشركات المعنية، أو تعود إلى القضاء الأميركي للحصول على ترخيص بالتنصت على ناس غير متهمين بشيء، وكان الرئيس أوباما شكل فريقاً لنصحه فنصحه بوقف التنصت ولم يفعل.
التنصت غير القانوني انفجر بعد إرهاب 11/9/2001، وحجة أنصاره أنه يهدف إلى حماية الأميركيين من إرهاب مماثل، بل أن بعضهم زعم أن التنصت منع إرهاباً من حجم ذلك الإرهاب المجرم، ولكن من دون تقديم أي دليل على صدق ما يزعمون… ورد أعداء التنصت بالقول إن المعلومات المتوافرة تثبت أن الوكالة تنصتت على الأميركيين أكثر مما فعلت على أي بلد أجنبي. وهذا مع العلم إن بلايين الاتصالات رُصِدَت في بلدان عربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والعراق والأردن وغيرها، فأطلب من دولنا الحذر في التعامل مع «الحليفة» المزعومة.
في افتتاح الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة تحدثت رئيسة البرازيل أولاً وتبعها أوباما، وسمعتها تنتقد بعبارات لاذعة التنصت الأميركي. والآن تعمل البرازيل ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها على استعمال أنظمة تمنع اختراق أجهزتها لحماية المعلومات الرسمية، ومعها اتصالات المواطنين.
مرة أخرى، هذا التنصت الرسمي يخالف القوانين الأميركية بشكل واضح فاضح.
إن كان من حسنة لفضيحة التنصت فهي أنها حوّلت الأنظار عن فضائح أخرى شهدتها 2013 مثل إغلاق العمل الحكومي في تشرين الأول (أكتوبر) لأن الغالبية الجمهورية في مجلس النواب عطلت إقرار موازنة، ومثل الحملة المستمرة على قانون الرعاية الصحية حتى أن تمويل العمل الحكومي استثنى البرنامج. بل إن الرئيس فشل في إصدار قانون لمنع حمل السلاح، وآخر عن الهجرة إلى الولايات المتحدة لأن الجمهوريين كانوا مصرّين على أن يفشل الرئيس ولو دفع الأميركيون جميعاً الثمن. كل ما سجلت في السطور السابقة فضائح إلا أن تنصت وكالة الأمن القومي على العالم كله يفوق الفضائح الأخرى لعام 2013 منفردة ومجتمعة.