كتاب 11
حقيقة عسكرة الدستور ( 1 )
المشكلة أن البعض ينظر للمؤسسة العسكرية و كأنها تحمي شعبا و بلدا آخر ، لا باعتبارها دعامة الدولة القوية التي ننتظرها ، فما من دولة يمكن أن تتقدم أو تصبح دولة عظمى من دون جيش قوي يحميها ، و ما من شعب يمكن أن ينتج و هو غير مطمئن لسلامة أرضه و عرضه و قوة جيشه . لو تناقشنا من هذا المنطلق لاختلفت الصورة ، و ليكن السؤال هو : هل تتفق معي عزيزي القاريء في ضرورة الحفاظ على قوة الجيش و وحدته و تماسكه و تطويره باعتبار وظيفته الأساسية هي حمايتك أنت أولا ؟ إذا كانت الإجابة بغير نعم فلا أنصحك بقراءة باقي المقال ، و إذا كانت الإجابة بـ ” نعم ” فيمكنك متابعة القراءة .
ربما تقول و أنت تقرأ هذه السطور أن كاتب المقال ” يدافع ” عن المؤسسة العسكرية و هو شرف لا أدعيه لأنني من أصحاب الإجابة ” نعم ” على السؤال السابق ، فلا هذا الجيش ملك لقادته ، و لا هو جيش لدولة أخرى أو مواطن آخر غير المواطن المصري . إن الجدل الحادث اليوم و نحن إزاء الإستفتاء على الدستور الجديد يدور حول المادتين ( 234، 204 ) و المتعلقتين بتعيين وزير الدفاع و القضاء العسكري و التي يرى البعض ضرورة إلغائهما لا تعديلهما ، فعلى ماذا تنص المادتين ؟ و ما هي النتيجة المتوقعة من إلغاءها ؟ المادة الأولى (234 ) : يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور. الاعتراض هو : لا يمكن فرض وصاية على الرئيس المنتخب و تحصين أي منصب أو مؤسسة و خصوصا ” المؤسسة العسكرية ” . السؤال هو ماذا لو تم إلغاء هذه المادة ؟ يقوم الاعتراض على أساس مبدأ يفترض أن الديمقراطية التي نعيشها ديمقراطية راسخة و في ظل دولة مؤسسات بما تعنيه الكلمة و هو الوضع الذي لم يتحقق حتى الآن ، فالمرحلة التي تعيشها مصر هي مرحلة ” بناء ” النظام الديمقراطي ، و هو ما يعني أن العملية الديمقراطية و الحياة السياسية برمتها غير مستقرة ، فعلم السياسة يقول أن الإنتخابات ليست ضمانة كافية للتعبير عن الشعب و إن كانت أفضل الطرق للتمثيل ، كما أن الظروف الاقتصادية و الاجتماعية التي يعيشها مجتمعنا لا يمكن أن تفرز حياة سياسية سليمة منذ اللحظة الأولى و لك أن تلقي نظرة على الانتخابات البرلمانية و الرئاسية السابقة لتعرف أن المشوار طويل و أن حلم الانتخابات النزيهة و العادلة و الشفافة بنسبة 100 % لن يتحقق بسهولة.
فماذا لو وصل إلى منصب الرئيس و هو القائد الأعلى للقوات المسلحة مرشح التيار الأصولي الذي يتمنى تطويع تلك المؤسسة و سيبحث حتما عن ” يهوذا المعبد ” الذي يسلمه ” الجلد و السقط ” و يفتح الباب لمنتسبي هذا التيار ليكونوا أحد مكونات المؤسسة و عما قريب سيكونون قياداتها ؟ لك أن تتصور ماذا سيكون الحال لو تمت أخونة الجيش أو إدخال عناصر إليه ذات انتماء إلى جماعات قد ربت أبناءها على أن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن ، و أن الحدود لا معنى لها و أن المشروع الأممي هو الهدف و المراد ؟ و أن كل من هو خارج جماعتنا هذه – التي يعتقدون أنها جماعة ” المسلمين ” – كافر يستحق القتل ؟ أيجب علينا الانتظار حتى يحدث هذا لنثبت للمدافعين عن ” المبدأ ” أنه لا ثوابت في السياسة و أن كل دولة و كل مجتمع له ظروفه الخاصة التي لا تنطبق على غيره ؟ أيجب علينا أن نعيش التجربة المريرة لنثبت لهم أن تلك الجماعات الفاشية لو وصلت لقيادة المؤسسة العسكرية لضعنا جميعا ؟ ألم نسلم لهم من قبل و عصرنا الليمون و كانت النتيجة ما نعيشه من إرهاب و قتل و حرب فرضها هذا التيار وحده و بإرادته من خلال معادلة ” إما نحكمكم أو نحول حياتكم جحيما ؟ أضف إلى ما سبق ضعف الأحزاب السياسية القائمة و التي معظمها لا زال في طور النمو و عدم نجاحها في طرح نفسها كقوى سياسية معبرة عن ” التيار الأساسي ” و حتمية أن يمثل ” التيار الأصولي ” نسبة غير بالقليلة في البرلمان المقبل في نظام ( برلماني ـ رئاسي ) تتفوق فيه سلطات البرلمان على سلطات الرئيس ، فكيف هوالحال لو وصل إلى منصب القائد العام للقوات المسلحة ( يهوذا المعبد ) الذي يتمناه هذا التيار ؟ إذن إلغاء المادة يمكن أن يؤدي و لو باحتمال بسيط إلى وصول مرشح هذا التيار في الانتخابات التالية أو اللاحقة و هو ما يستتبعه نتيجة كارثية لا محالة أقلها إنقسام الجيش لنصبح جميعا أمام سيناريو ” أسود ” لا يقل بشاعة عن ” السيناريو السوري ” و هو ما لا يتمناه أحد . إذن عليك اختيار أحد المبدئين إما مبدأ ” عدم التحصين أو مبدأ ” درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة ” ، و لنا في تجربتي 25 يناير و 30 يونيو العبرة والعظة فلو كان الجيش يدين بالولاء للرئيس لظل مبارك رئيسا حتى الآن أو لدخلنا في انشقاقات و انقلابات لا يعلم نهايتها إلا الله .
و أنت تقيم هذه المادة ضع في حساباتك أربعة نقاط ثم كون موقفك من المادة : أولا : أن المادة مؤقتة و ليست دائمة و هو ما يعني استبعاد احتمال الأضرار الناجمة عن استمرار الوضع الاستثنائي .
ثانيا : أن الظرف الراهن لا يماثل ظروف المجتمعات الأخرى التي تجري المقارنة بينها و بين مجتمعنا ، فالمجتمعات الغربية ” الديمقراطية ” ليس من بين أطيافها السياسية فصائل ترتكز عقيدتها على كراهية الوطن و العنصرية و الفاشية مثلما هو حادث في حالة الجماعات المتطرفة الموجودة بيننا ، و لنا في ميليشياتهم و الجماعات الإرهابية الحليفة و عام حكم الإخوان العبرة و المثل .
ثالثا : إن المادة حددت موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على شخص وزير الدفاع في حال ” التعيين ” لا في حالة العزل مما يعني أن منصب ” وزير الدفاع ” ليس محصنا كما يتم الترويج له فالقائد الأعلى للقوات المسلحة – رئيس الجمهورية – يمكنه عزل القائد العام دون موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة .
رابعا : إن البرلمان القادم يمكنه وفقا للمادة ( 131) سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم بعد استجواب و بعد موافقة ثلثي الأعضاء ، و هو ما يعني أن الرئيس ليس الوحيد الذي يمكنه عزل وزير الدفاع دون موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، بل إن البرلمان أيضا يملك هذا الحق و فوقه حق آخر و هو ” عزل نائب الوزير ” رئيس الأركان .
و إليك نص المادة ( 131 ) : لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم. ولا يجوز عرض طلب سحب الثقة إلا بعد استجواب، وبناء على اقتراح عُشر أعضاء المجلس على الأقل، ويصدر المجلس قراره عقب مناقشة الاستجواب، ويكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء. وفى كل الأحوال، لا يجوز طلب سحب الثقة فى موضوع سبق للمجلس أن فصل فيه فى دور الانعقاد ذاته. وإذا قرر المجلس سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو من أحد نوابه أو أحد الوزراء، أو نوابهم، وأعلنت الحكومة تضامنها معه قبل التصويت، وجب أن تقدم الحكومة استقالتها، وإذا كان قرار سحب الثقة متعلقًا بأحد أعضاء الحكومة، وجبت استقالته.
بعد قراءة هذه المادة أجب أنت على السؤال هل دستور 2013 قد حصن وزير الدفاع و جعل الجيش دولة داخل الدولة أو جعل وزير الدفاع فوق السلطات المنتخبة ؟ الإجابة لك و للحديث بقية حول المادة ( 204 ) ( القضاء العسكري و المحاكمات العسكرية )