مصر الكبرى

04:59 مساءً EET

أحداث سيناء: إضعاف لمصر أم تصفية لحسابات إقليمية؟

من المستفيد؟صدمت الساحة المصرية، وبالتحديد القيادة الجديدة بزعامة جماعة الاخوان المسلمين، وممثلها في السلطة الرئيس محمد مرسي بالعملية الارهابية، التي قامت بها مجموعات اسلامية متطرفة في منطقة العريش في صحراء سيناء على الحدود مع قطاع غزة،

وأدت إلى سقوط نحو ستة عشر قتيلا من افراد القوات المسلحة المصرية، وعدد كبير من الجرحى، هذه الصدمة يمكن اعتبارها صفعة للسلطة الجديدة، التي تحاول تملس طريقها وإعادة ترميم علاقاتها السياسية داخليا واقليميا ودوليا، في بلد لم يستقر بعد، ومن المتوقع ان يستمر عدم الاستقرار فيه في المدى المنظور.الهجوم الذي شنه الإعلام المصري الخاص وحتى العام على حلفاء جماعة الاخوان المسلمين المسيطرين على السلطة في مصر، أي حركة حماس في قطاع غزة وتحميلها المسؤولية عن هذه العملية، اضافة إلى لجوء الاعلام المصري الرسمي لاستضافة بعض المحللين والخبراء الاسرائيليين للتعليق على حادث سيناء، وردة الفعل الكبيرة والواسعة التي لجأت اليها السلطة المصرية، خاصة المؤسسة العسكرية والقيام بعملية عسكرية واسعة في هذه الصحراء لضرب معاقل الارهابيين الاسلاميين، ما كانت لتحصل من دون موافقة السلطات الاسرائيلية على “تعليق مؤقت” لبنود اتفاقية كامب ديفيد للسلام، والسماح لسلاح الطيران الحربي المصري المروحي فقط، بالدخول إلى المجال الجوي للمنطقة (ج) المحظورة عليه طبقا لهذه الاتفاقية، وذلك لهدف ملاحقة المسلحين.التغييرات الأمنية والعسكرية والإدارية التي لجأ اليها الرئيس مرسي، وان شملت عددا من المراكز الحساسة، لكنها جاءت في اطار تنفيس الاحتقان الشعبي الذي سيطر على الشارع الداخلي، واضافة إلى كونه استعراضا للقوة من قبل الرئيس امام الرأي العام في مواجهة المؤسسة العسكرية، واولى الخطوات على طريق الديمقراطية والبحث عن مقصرين في الأحداث التي تشهدها مصر.
الصدمة الأبرز
الصدمة الأبرز، خارج الساحة المصرية، تلقتها حركة حماس من الحليف القديم الجديد، لكنه في المرحلة الجديدة بات اكثر وضوحا، لجهة حماس على الاقل، التي اختارت ان تنتقل إلى حضنه ووضع كل اوراقها في جعبته، خاصة بعد وصول الاخوان إلى السلطة، وقد تكون رسالة من المؤسسة العسكرية المصرية لحركة حماس بأن هذه المؤسسة هي الطرف القادر على بلورة رؤية مصرية واضحة بين حماس والحكومة الاسرائيلية، وان وصول تنظيم الاخوان المسلمين إلى السلطة، لا يمكن ان يسهم في تغيير هذه المعادلة او الدفع باتجاه المراهنة عليه لتحسين المواقع او الشروط التفاوضية.
كل هذه التطورات تطرح العديد من الأسئلة عن ابعاد واهداف هذه العملية، وعن الاطراف المستفيدة منها، والابعاد الجيوسياسية والاستراتيجية التي تدفع أي من هذه الاطراف الداخلية او الاقليمية للوقوف وراء هذه العملية، خاصة اذا ما توقفنا عند ردة الفعل الأولى للسلطات المصرية والتي ترجمت بقرار اقفال كل المعابر الحدودية مع قطاع غزة، وادخال آليات ثقيلة لتدمير واغلاق كل الانفاق بين مصر وقطاع غزة في منطقة العريش.مستفيدون
في البحث عن المستفيدين من هذه العملية، لا بد من التوقف عند اللاعب الاسرائيلي، خاصة وان المعلومات الأمنية والعسكرية كشفت عن قلق لدى القيادة الاسرائيلية من التغييرات التي تشهدها مصر. وهذا القلق بدأ مع اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك في الـ25 من يناير (كانون الثاني) 2011.
وقد عبرت القيادة الاسرائيلية عن هذا القلق بوضوح، بعد ان وصل حد الخوف من عدم قدرة السلطة الجديدة على الالتزام بنصوص معاهدة السلام، وامكانية ان يأتي الخرق الأمني الأخطر من الحدود مع هذا البلد في صحراء سيناء، ما دفعها لوضع خطط عسكرية وأمنية للسيطرة على هذه الحدود وتأمين الاستقرار على جانبيها.
وقد وصلت القيادة الاسرائيلية إلى قناعة بأن الحدود المصرية تشكل الخاصرة الأكثر ضعفا في نظامها الأمني، بالمقارنة بالخاصرة اللبنانية والتحدي الذي يشكله حزب الله في لبنان، وحتى من الخاصرة السورية في الجولان، على الرغم من كل المعارك التي يشهدها هذا البلد والتهديد الذي اطلقه مع بعض حلفائه من امكانية اشعال حرب اقليمية في حال ايقن أن سقوطه بات وشيكا أو حتميا.
انطلاقا من هذه المعطيات المبنية على قراءة اسرائيلية تقول بأن السلطة المصرية بشقيها السياسي والعسكري، فإن السلطة المصرية لن تكون قادرة على ضبط قواعد اللعبة والحفاظ على ما كان قائما في العقود السابقة على طرفي الحدود. ما يعني ان المرحلة القادمة قد تكون بحاجة إلى اعادة تثبيت هذه المعادلة، وقطع الطريق على أي محاولات لفرض أي تعديل على بنودها، كما تطالب به بعض الاطراف المصرية، وذلك اما لإحراج الجماعات الاسلامية او لحشر المؤسسة العسكرية ووضعها في مواجهة المؤسسة السياسية وبعض هيئات المجتمع المدني.
إذا ما كان الجانب الإسرائيلي على استعداد لتقديم بعض التنازلات الاستراتيجية والأمنية للجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، ضمن بنود معاهدة السلام لا تتجاوز امكانية ان يسمح بزيادة عديد القوات المصرية في هذه المنطقة، ورفع مستوى التسليح من أجل مواجهة الجماعات المسلحة والإرهابيين، في اطار يخدم رؤيته الاستراتيجية في علاقته مع مصر وقطاع غزة. فإن لاعبا آخر لا يعدو ان يكون ايرانيا، لا رغبة لديه في تحويل هذه المنطقة إلى “جنة” أمنية لتل أبيب، وبالتالي فهو يسعى لفرض “قواعد” جديدة للعب والاشتباك وايصال رسائل متعددة لعدة اطراف تشترك في تقاسم الفوائد، قد تكون ناتجة عن فرض الاستقرار في شبه هذه الجزيرة.
في البعد الاستراتيجي يتحدث الخبراء في هذا المجال، خاصة فما يتعلق بالجانب الجيوستراتيجي والجيوسياسي ان الأطراف المتصارعة أو المتنافسة، قد تعمد الى تغيير قواعد الاشتباك في “دائرة” المصالح الأضيق والأصغر اذا كانت قادرة على ضبط ايقاعها، مستبعدة الانتقال الى الدائرة التالية او الاكبر، او العكس. وهنا فإن الحدود المصرية الاسرائيلية وقطاع غزة الفلسطيني يقع في اطار الدائرة الأصغر في الصراع القائم بين ابرز لاعبين اقليميين هما اسرائيل وايران، خاصة وان كلا الطرفين لا يرغب في فتح نقاط صراع أخرى بينهما، خاصة على الجبهتين السورية واللبنانية لعدم قدرة كليهما على ضبط ايقاعها وابعادها وحصر تردداتها ومنع تحولها إلى حرب اقليمية او دولية.استنفار إيراني
وبناء على هذا المنطق، فإن التحرك الأخير للقيادة الايرانية باتجاه سوريا، ان كان من خلال الزيارة التي قام بها سعيد جليلي سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الى لبنان وسوريا والعراق، وزيارة وزير الخارجية علي اكبر صالحي الى تركيا، وانعقاد الاجتماع التشاوري للدول الرافضة للتدخل في الأزمة السورية في طهران، كل هذا يكشف عن احساس ايراني حقيقي بصعوبة الوضع الذي يواجهه النظام السوري بقيادة بشار الأسد، وامكانية ان تخسر ايران الضلع الأهم في معادلة قوتها الاقليمية وواسطة العقد في محور الممانعة والمقاومة.
الاستنفار الايراني جاء بعد تصاعد الضغوط الدولية على طهران على خلفية الأزمة السورية وعرقلتها للارادة الدولية في احداث تغيير في هذا البلد وتغيير النظام فيه، وقد جاء الحراك الايراني متزامنا مع حزمة العقوبات التي اقرتها الادارة الأميركية لمحاصرة قطاع النفط الايراني وشركات التأمين التي زادت من الألم الايراني، اذ جاءت بعد العقوبات التي فرضت على هذا القطاع مؤخرا، وأجبرت طهران على الخضوع لابتزاز عدد من الدول المستفيدة من نفطها بالموافقة على شروطها لكسر هذا الحصار والالتفاف على العقوبات.
وهنا، يمكن مقارنة الزيارة التي قام بها جليلي الى عواصم المنطقة المعنية بالمحور الايراني، بتلك الزيارة التي قام بها سلفه علي لاريجاني الى سوريا في 11 يوليو(تموز) 2006، بعد فشل مفاوضاته مع ممثل السياسات الخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا حول الملف النووي، واللقاءات التي عقدها في حينه مع قيادات الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق وقيادتي حزب الله وحركة امل، والتي انتجت انطلاق عملية خطف الجنديين الاسرائيليين وشروع ما عرف بحرب تموز بين حزب الله واسرائيل.
إلا أن زيارة جليلي الى لبنان وسوريا في عام 2012 لن تنتهي بالضرورة الى النتائج التي أفضت اليها زيارة لاريجاني في عام 2006 على الجبهة اللبنانية. اذ يبدو ان الهدف منها هو توجيه رسائل واضحة الى الاطراف المشتبكة مع طهران في ازمة ملفها النووي وتمددها الاقليمي، بأنها وصلت الى نقطة لا عودة باستعدادها الى “تغيير قواعد الاشتباك” من خلال الموقف الواضح والصريح الذي أعلنه جليلي من دمشق بأن بلاده لن تسمح بسقوط نظام الأسد أو احداث تغيير في النظام بدعم من الخارج، وان الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية يكمن في الحوار بين النظام والمعارضة.
هذا الموقف لجليلي لم يكن وليد مناسبة زيارته لسوريا ولقائه مع الأسد الذي غاب عنه أي مسؤول سوري، بل يعبر عن موقف موحد داخل القيادة الايرانية، ما يعني ان هذه القيادة وضعت جانبا الجدل الداخلي حول الوقوف الى جانب النظام السوري والسير معه في الاعمال التي يقوم بها، والاثمان التي قد يكون على ايران دفعها مقابل ذلك، واتفقت على موقف موحد خلاصته دعم النظام السوري ليس من اجل هذا النظام، بل دفعا ودفاعا عن طهران اولا، ودور ايران الاقليمي والمحور السياسي والعسكري والأمني، الممتد من طهران الى قطاع غزة ثانيا، والذي يشكل ورقة تفاوضية لطهران مع العواصم الغربية خاصة واشنطن.
أهداف مبيتة
الشعور المتزايد او المتعاظم لدى القيادة الايرانية بخطورة ما ستؤول اليه الأزمة السورية، وانعكاساتها السلبية على مستقبل الدور الايراني في المنطقة، اسهم في جدولة سريعة لزيارة جليلي الى هذه العواصم والاعلان الصريح عن تصدرها الموقف في دعم النظام السوري، وذلك لعدة اهداف اهمها:
أولا: طمأنة شريكها وحليفها اللبناني المتمثل في حزب الله اللبناني بأنها تقف الى جانبه، ولا حاجة لإظهار قدر كبير من التوتر على مستقبل الوضع في دمشق، في ظل سعيها لاتمام صفقة تسعى لبلورتها في اللقاء التشاوري، الذي استضافته طهران تعقد مع الدول الصديقة للشعب السوري والمؤيدة للانتفاضة الشعبية والثورة المسلحة في هذا البلد، قد تمكنها من الحصول على ضمانات مستقبلية تكون مطمئنة لها ولحليفها حزب الله.
ثانيا: تهدئة الحليف اللبناني وقطع الطريق على امكانية ان يلجأ تحت ضغط تداعيات الوضع السوري والاحساس بانهيار النظام، الى اشعال فتيل حرب اقليمية مع اسرائيل لاجبار الدول الكبرى الداعمة للانتفاضة السورية على تحويل اهتمامها عن هذا البلد واشغالها في دعم اسرائيل، خاصة بعد توجيه اصابع الاتهام المباشرة الى حزب الله بالوقوف وراء عملية قتل السياح الاسرائيليين في بلغاريا.
ثالثا: ان طهران لن تقف مكتوفة الايدي دفاعا عن النظام في دمشق، وانها قد تعمد الى محاولة فرض تغيير على قواعد الاشتباك في المنطقة، هدفها ايصال رسالة الى الطرفين الاميركي والاسرائيلي بأنها ما زالت قادرة على تحريك اذرعها وعرقلة كل المساعي التي تبذل لمحاصرتها مع حلفائها في المنطقة، وبالتالي ما يسمح لها بإعادة تصويب بعض المسارات التي بدأت تخرج من يدها مع اندلاع الازمة في سوريا.
من هنا يمكن الدخول على احتمالات ان يكون لايران دور في الحدث المصري الذي تزامن مع مجموعة من الاحداث شهدتها المنطقة، من تفجير دمشق ومقتل القادة الأمنيين في النظام السوري وعملية بلغاريا والدعوة لاجتماع مكة المكرمة لمنظمة تضامن الدول الاسلامية، ولقاء طهران التشاوري، وزيارة جليلي الى المنطقة وزيارة صالحي الى تركيا.
مع عدم اسقاط احتمالية ان تكون اسرائيل وراء العملية الارهابية في سيناء، نظرا للنتائج الاستراتيجية التي حققتها تل ابيب من ورائها في وضع حد لمعضلة انفاق التهريب وضرب العلاقة المتنامية بين حركة حماس والسلطة الجديدة في مصر. ومن المنطق نفسه فإن النقاط التي من الممكن ان تحققها طهران من وراء هذه العملية في حال كانت هي الجهة التي تقف وراءها، تكمن ايضا في مستويات عدة:
اولا: من خلال استخدام قبائل المنتشرة في سيناء على الحدود مع اسرائيل، وقدرتها على استغلالها في أي عمل عسكري او تسهيله، انطلاقا من العلاقة القديمة التي نسجتها مع هذه القبائل تحت غطاء تهريب السلاح الى قطاع غزة والاراضي الفلسطينية، واستثمارا للاموال التي انفقتها بسخاء على هذه القبائل خلال العقود الماضية، وهي العلاقة التي طالما اثارت حفيظة النظام المصري السابق.
ثانيا: توجيه رسالة الى اسرائيل بأنها لاتزال قادرة على فرض المعادلة التي تريدها، فيما يتعلق بالتنافس القائم بينها وبين تل ابيب على النفوذ في المنطقة خاصة الدول العربية.
ثالثا: ان الضغط على طهران من خلال دمشق لن يؤثر على قدرة المناورة لديها، واستغلال اماكن الضعف او مصادر الخوف الأمني لدى اسرائيل المتمثلة بتراجع قدرة السلطة المصرية الجديدة على فرض سيطرتها على الحدود المشتركة التي تحولت الى خاصرة رخوة تثير قلقها.
رابعا: توجيه رسالة الى حركة حماس ومعاقبتها على القرار الذي اتخذته بالتخلي عن النظام في سوريا، والابتعاد عن طهران لصالح العودة الى الحضن المصري والرعاية القطرية والتصالح مع الاردن، وذلك من خلال ضرب العلاقة بين غزة والقاهرة، ودفع الأخيرة لاتخاذ خطوات تعيد الى اذهان القيادة في حماس، ما كان يقوم به النظام السابق من اجراءات تضييقية ضدها وضد القطاع عبر اقفال المعابر الحدودية وتدمير الانفاق.
خامسا: ارباك الساحة السياسية المصرية واحراجها امام الرأي العام المصري والدولي، وبالتالي حشرها في زاوية صعبة، فإما ان تدفع باتجاه تغيير بنود معاهدة السلام، ما يعني دخولها في تجاذب مع اسرائيل والمجتمع الدولي الرافض لأي تعديل على هذه المعاهدة، واما ان تدخل في صراع مع المؤسسة العسكرية قد يعيد الوضع الى المربع الاول بعد سقوط النظام السابق، او دفعها لاتخاذ قرارات تساعد في اعادة مركزة السلطة والقرار في يد السلطة المدنية، ما يجعلها مسؤولة عن كل القرارات السياسية والأمنية والعسكرية التي قد تلجأ الى اتخاذها، وتتساوى فيها حسابات الربح والخسارة.
التحقيق نقلاً عن " المجلة "

التعليقات