كتاب 11
شدي حيلك يا تونس
احتشد الآلاف من التونسيين منذ فترة بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية للمطالبة برحيل حكومة الأخوان التي تسببت خلال فترة حكمها في نشر الفوضى وتدمير الاقتصاد في البلاد وعاد هتاف “ارحل” إلى الشارع التونسي من جديد، نتيجة لتعنت حركة النهضة في قبول المبادرات السياسية المطالبة باستقالة حكومة علي العريض وتشكيل حكومة ائتلاف وطني تشرف على استكمال المرحلة الانتقالية.
فثورة تونس كغيرها من ثورات الربيع العربي واجهت تحديا صعبا وهى إشكالية العلاقة بين الدين والدولة أوالدين والسياسة. فهذه الثورة لم تقم بالأساس لأسباب دينية، وإنما جاءت لعوامل اقتصادية تتمثل في انتشار البطالة والفقر والتي ترجمها حرق البوعزيزى لنفسه احتجاجا على تردى أوضاعه، ولعوامل سياسية ترتبط بالاستبداد والديكتاتورية التي كرسها بن على لعقود، ولغياب الحريات والتي كرستها الاعتقالات ضد المعارضة السياسية والإعلامية.
ولذلك كان التحدي والإنجاز الاقتصادي هو الفيصل في نجاح التيار الإسلامي الذي تمثله حركة النهضة والتي وصلت إلى الحكم بعد انتخابات المجلس التأسيسي. وبتقييم الوضع نجد ان تونس قد فشلت فيما كانت تطمح إلية. فمن ناحية لم تحقق تونس نهضتها الاقتصادية المطلوبة في القضاء على البطالة والتي بلغت 7% بشكل عام ووصلت إلى 30% في بعض المدن التونسية، كذلك استمر الفساد والمحسوبية ولم يتم التخلص منها، إضافة إلى تراجع السياحة الأوروبية واستثمارات الشركات الأجنبية التي جمدت نشاطها بعد الثورة بسبب عدم الاستقرار السياسي.
كما أخذ السلفيون يتصدرون المشهد في الصراع التقليدي بينهم وبين الليبراليين على تقرير هوية المجتمع التونسي، إما الحفاظ على هويته المدنية العلمانية أو تغييرها صوب الهوية الدينية. ورغم أن حركة النهضة التي تتسم بالبرجماتية تقدم نفسها كحركة وسطية بين الاثنين، إلا أنها لم تستطع التوفيق بين التناقضات التي يشهدها المجتمع التونسي الآن.
وكانت المحصلة النهائية لسياسات الحكومة التونسية، هي عدم تلبية التوقعات المتزايدة للشباب التونسي في إيجاد حياة كريمة بعد ثورتهم الكبيرة، وتزامن مع التراجع الاقتصادي تزايد التعدي على الحريات، خاصة الحريات الصحفية والإعلامية وموجة الاعتقالات في الكثير من المدن التونسية، ولذلك بدأ المشهد التونسي يتجه صوب التصاعد.
ولأن التجربة كما يقولون خير برهان، والبحر يختبر الغطاس، ظهر أن الإخوان ليسوا منافقين وأفاقين وفاسدين مالياً وأخلاقياً فحسب، وإنما أجهل خلق الله في تكتيك السياسة ناهيك عن الاقتصاد وليسوا سوي ظاهرة صوتية لا تُطعم جائعاً ولا تُعالج مريضا. السودان أيضا بدأت تثور علي حكم البشير و أهل غزة بدءوا في الثورة ضد حماس الداعم الأساسي للجهاديين الأخوان. ً
ربما كانت وثيقة ميلاد التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين قد وقعت في 29 يوليو سنة1982م بتوقيع المرشد الخامس مصطفي مشهور لكن البداية الحقيقية كانت قبل ذلك بأكثر من نصف قرن علي يد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا( 1906- 1949) الذي امن يقينا بأن جماعة الإخوان المسلمين ذات رسالة وطموحات عالمية حتى وهو يسجلها تحت اسم ( جمعية الإخوان المسلمين الخيرية) في الإسماعيلية. ولكن بالرغم من كل تلك المخططات والطموحات والاتفاقات والترتيبات والموْمرات علي مدار ثمانون عاما…وبعد وصول الجماعة الي الحكم …بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا ان حسب خبرة من تعاملوا مع الإخوان المسلمين في مصر على مدى العقود الثلاثة الأخيرة التي انخرطوا فيها بالسياسة، كانت لديهم عوامل ذاتية كفيلة بوصولهم إلى النتيجة الحالية.
فهوءلاء متخصصون في الكذب ونقض العهود كما أنهم إقصائيون إلى أبعد حد. ولذا توقع كثير من المحللين والمراقبين أن يكون لإقصاء الإخوان المسلمين في مصر تبعات إقليمية واسعة أخذا في الاعتبار أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين رأسه في مصر وما فروعه في بقية الدول التي يتواجد فيها إلا أقل ثقلا وأضعف تأثيرا. ويبقى أن بعض القوى الدولية والإقليمية التي استثمرت سياسيا وحتى ماليا في صعود الإخوان إلى السلطة ستبدأ في إحصاء خسائرها لفترة ليست بالقصيرة.
Rania_hefny@hotmail.com