تحقيقات
بالصور .. ليلة دافئة فى شتاء ديسمبر 2013.. مع أحفاد نجيب محفوظ
تعالوا لنستمتع بتلك الجلسة الحميمية الرائعة بقاعة المجلس الأعلى للثقافة .. والتى واكبت الذكرى 102 لمولد عملاق الرواية العربية الأديب الكبير وصاحب جائزة نوبل/نجيب محفوظ .
تلك الجلسة التى أدارتها القديرة دكتوره/أمانى فؤاد ؛لتصنع حلقة نقاش ولا أروع حول أدب الكاتب المصرى العملاق بعنوان : ( أحفاد نجيب محفوظ ) ، وباستضافـة مقرر لجنة القصة بوزارة الثقافة .. الأديب الكبير الأستاذ/يوسف القعيد ؛ الذى كان لحضوره طعماً خاصاً بشخصيتـه المرحة التى أضفت على المكان جواً مبهراً من الود والبهجة ؛ وبحضور نخبة من الأدباء والمثقفين الذين قدموا شهادتهم على أدب رائد الرواية العربية من على المنصة أحفاد نجيب محفوظ من الروائيين الشباب؛: الروائية/لانا عبد الرحمن ؛ الروائى/محمد عبد النبى ؛ الروائى/ياسر عبد الحافظ ؛ومن داخل القاعة في مقدمة الحضور: أ.د/مجدى يوسف رئيس الربطة الدولية لدراسات التداخل الحضاري؛ دكتوره/إلهام سيف الدولة حمدان أستاذ الدراسات اللغوية بمركز اللغات والترجمة بأكاديمية الفنون،والشاعر حسنين السيد … الذين أضافوا إلى الندوة كل الثراء ، بالمداخلات الواعية بأدب هذا الروائى الفذ ومكانته فى تاريخ أدباء مصر المحروسة ؛ وتأريخه لحقبة مهمة لنضال الشعب المصرى عبر الزمن .
وتناولت الدكتوره/أمانى فؤاد فى البداية : كيف أن نجيب محفوظ اتخذ من أدب الرواية ( حرفة ) طوال عمره الحافل ، وأخلص كل الاخلاص لتلك الموهبة ؛ وقام بتطوير تقنياته طوال الوقت فى حدود الاضاءة على الساحة السياسية المصرية وما بها من تفاعلات ؛ وانعكاساتها على المجتمع المصرى بكامل طوائفه وطبقاته وتوجهاته وقناعاته السياسية والعقائدية .. وكيف أخلص إخلاصاً جاداً لتلك الابداعات فى اللغة العربية , ليواكب المنتج العالمى رغم انه لم يخرج عن حدود عالمه المصرى الخالص ؛ وتلك هى المعادلة الصعبة الموجودة فى أدب هذا العملاق .
وطرحت دكتوره /أمانى فؤاد موضوعاً هاماً وهو : هل تأثر نجيب محفوظ بالأدب العالمى ؟ أم أنه منتج محلى مائة بالمائة ؛ وأنه كلما استغرق الأديب فى انتاج عالمه المحلى بكل الصدق .. خرج إبداعه الى العالمية بجناحيه مرفرفاً فى سماء الأدب العالمى ؛ بل ويفرض وجوده على الساحة الأدبية بكل الاقتدار ؛ وهكذا دخل الرجل فى زمرة أدباء العالم الذين صنعوا طفرة هائلة فى الابداع لاثراء وجدان الشعوب وقيادة مواكب التنوير .
ويلتقط الأديب الكبير/يوسف القعيد .. طرف الحديث ليحدثنا عن معاصرته شبه اليومية للقدير/نجيب محفوظ .. ومعايشته جنباً الى جنب ؛ الأمر الذى سمح له بالولوج الى عالمه الواسع ؛ والتعرف عن قرب الى الكثير عن سلوكياته وطقوسه الخاصة بعمملية الابداع ومواقيت اختياراته للكتابة .. وكيف شكَّل المنتج الذى يخرج من بين يديه فى لحظات توهج الفكرة ــ وهو المتوهج دائماً ــ كل زخم الحياة المعاصرة فى المجتمع المصرى . ولم يخل حديثه من بعض الفكاهة بروحه المرحة المعهودة فى الحديث عن عالم نجيب محفوظ الذى لايعرفه الكثير من محبية ؛ وكيف أن هذا الأديب الكبير كان مولعاً بالجمال .. خاصة عندما يكون هذا الجمال متعلقاً بالأنوثة وابداع المولى فى هذا الجمال الذى يعشقه ويسعد به .
وتطرق القعيد عن الكتـَّاب والمبدعين بعد محفوظ ؛ وهل شكَّل أدبه ( غُصة ) للأدباء الذين يحاولون قدر جهدهم اللحاق بأسلوب كتابته الأدبية الرائعة التى تناولها فى رواياته ؛ ومدى تأثر الأدباء الشباب بأدبه ومعالجاته لشخصيات رواياته التى يبتكرها فى عالمه الخاص ؛ واضاف : وان كانت ( السينما ) قد ضخمت بعض الشىء فى تصوير أعماله نتيجة لضرورة الدراما فى الحبكة السينمائية .. ولكنها رغم ذلك خلَّدت أعماله فى ثلاثيته الخالدة ( قصر الشوق /بين القصرين /السكرية ) ؛ وأشار الى معلومة هامة ــ ربما مجهولة بالنسبة للكثيرين ــ وهى أن الجزء الأخير من الثلاثية .. قامت الأجهزة المخابراتية بالتعتيم عليها ؛بمنع عرضها أو نشرها فى فترة من الفترات .. مما جعل ( نجيب محفوظ ) خاصة بعد الحادث الذى تعرض له من بعض الجهلاء سنة 1994 يتوقف تماماً عن الكتابة .. وربما كان هذا أيضا مرجعه الى الحالة السيئة التى كان عليها ومشاكله مع ثقل السمع وانحسار البصر .. مما حدا به الى التوقف عن القراءة .. ولكنه كان يتابع أعمال الشباب ويسأل دوماً عن آخر ابداعاتهم ؛ لايمانه بان الابداع حالة لاتتوقف مدى الحياة .. ولو عن طريق الأدباء الشباب .. وأنهم لابد وأن يحملوا راية الابداع لو توقف هو عن الكتابة والابداع .
وتساهم الدكتوره/أمانى فؤاد فى الاضاءة على عالم أديبنا ؛ وتتطرق الى مسألة مزج الميتافيزيقا بالواقع فى أدب نجيب محفوظ .. وكيف حاول هذا المبدع تقريب صورة العالم والخلق الى الأذهان فى الشخصيات المحورية التى ابتكرها فى رائعته ( أولاد حارتنا ) ؛ وبيان مناطق الجمال والروعة فى هذا التناول العميق لكتاباته .. ورؤيته من وجهة نظره لهذا العالم الذى نسجه فى تلك الرواية .
والآن .. ليكن لنا اطلالة سريعة على كلمات المتحدثين ؛ خلال ندوة ( أحفاد نجيب محفوظ ) وحال الأدب والأديب بعد نجيب محفوظ ورحيله عن عالمنا .
تحدثت الروائية اللبنانية المصرية/لانا عبد الرحمن .. عن أدب نجيب محفوظ ؛ وأزاحت الستار عن عالمها الخاص؛ بقولها : ان القراءة لديها لهذا الروائى الفذ .. هى لحظة فرح وغبطة داخلية للروح والنفس ؛ وأنها التقطت خبر فوزه بجائزة نوبل .. فدخلت الى عالمه الواسع من خلال القراءة الواعية لروايته ( رادوبيس ) ومباركة الأم والخال وتشجيع العائلة لهذا الابحار فى عالم هذا الروائى الرائع .. وكيف أنها اشتاقت للقائه.. للتأمل فى عالمه والتعرف اليه عن قرب .. ولتطويع الجينات الوراثية لامكانية الاخلاص لـ ( فعل الكتابة ) عندها ؛ وايجاد ايقاع شبيه بالحياة اليومية ومحاولة نقله الى الابداع بكل صوره الروائية .. بل وانبهارها بالشخصيات الرئيسية والمحورية فى رواياته ؛ وعدم السقوط فى الابتذال عند كتابة الرواية بكل شخوصها .. رغم تناوله حياة الكثير من البشر الذين يعيشون فى قاع الحارة المصرية بكل تقاليدها .. وكيف أنها تسعد كثيراً بمحاولات التحرر من أسلوبه.. حتى لاتقع فى محاولة تقليده بقدر الامكان .
وكانت المفاجأة فى حديث الروائى الأستاذ/ياسر عبد الحافظ .. هى محاولة التمرد على أدب نجيب محفوظ .. وذلك باعداده دراسة عن رواية ( خمارة القط الأسود ) ؛ وطرح تساؤلاً : هل يمكن لأدب نجيب محفوط الصمود وقابلية أعماله للبقاء والامتاع عبر الزمن ؛ وليبقى الابداع كرسالة اجتماعية فاعلة .. وقال انه يجب تخطى عالم محفوظ والبدء فى خلق عالم روائى جديد للشباب .. والتمرد للخروج من عباءة هذا المبدع .. الذى تسيطر كتاباته وأسلوبه فى السرد على أدب الشباب الجدد .
وتضيف الدكتوره/أمانى فؤاد : بأن النص الأدبى هو تغيير للواقع ؛ ورغم الاشتباك مع هذا الواقع .. فهناك ضرورة استقلالية النص الأدبى وتفرده بالاتيان بالجديد دائماً ؛ وخلق مفردات جديدة فى عالم النص الأدبى .
ثم يتقدم الروائى/محمد عبد النبى بشهادته عن عالم نجيب محفوظ .. وكيف انه كان يجنح دائماً الى مناصرة الشخصيات الأضعف فى رواياته ؛ وانه مبهور بكيفية بناء الشخصيات فى أدب محفوظ وبشبكتها العائلية المعقدة ؛ومقدرته على الامساك بكل تلك الخيوط المتشابكة بعلاقاتها العائلية وسلوكياتها .. دون أن يهرب منه خيط فى كل جانب من جوانب للشخصية .. ويزيد على ذلك فى مفاجأة انه لايميل الى روايات ( الكرنك )و ( حب تحت المطر ) . ويتدخل الأستاذ/يوسف القعيد لايضاح تلك النقطة : بأن تلك القصص ومعها ( القاهرة الجديدة ) قد تعرضت للمنع بمعرفة الرقابة للحفاظ على سرية الأجهزة المخابراتية فى هذا الزمان ؛ وأيضا لأن رواية ( الحب تحت المطر 1967/1973 ) تم حذف الكثير منها بمعرفة الرقابة أيضا للحفاظ على سرية المعلومات المخابراتية .
وتنتهى شهادات الضيوف على أدب أبو الرواية العربية .. لتبدأ دكتوره /أمانى فؤاد فى ادارة حوار رشيق من خلال الرد على مداخلات السادة الحضور .. والذين تناولت مداخلاتهم اثارة الكثير من الاسئلة الهامة عن : ـ المشهد الروائى المعاصر وتوقعات المشهد السياسى وانعكاسه على الأدب . ـ وهل فى استطاعة الأدب المعاصر أن يخوض فى الكتابة عن المحرم والمحظوروالمسكوت عنه فى النص الأدبى .
وانتهت ليلة دافئة حميمية رائعة .. رغم برودة جو القاهرة فى تلك الليلة الشتوية من ديسمبر .. وشكراً للدكتوره القديرة/امانى فؤاد .. على تلك الندوة الرائعة مع ( أحفاد نجيب محفوظ ) .. والتحية من القلب لكل من يحافظ على جذوة الابداع .. متوهجـــة .