كتاب 11
حُسن النية
هو إنت يا عزيزي القارئ، أهلاً وسهلاً يا سيدي، طبعاً متضايق، ألم تُكيل لي السباب والإتهامات ظلماً وعدواناً بمقالي السابق، ماذا تقول؟، كنت حسِن النية، يا الله، ولماذا لم تقل ذلك من قبل، كنت ستتسبب في ظلمي لك، تفضل ياعزيزي القارئ، أهلاً وسهلاً بك في المقال، مَن هذا الذي معك؟، صديق قارئ أيضاً، أليس هو من سرق العديد من أفكاري ونسبها لنفسه
ماذا تقول، كان حسِن النية أيضاً، لا أدري ما الذي دهاني، لقد أصبحت أتهم الناس جُزافاً، برجاء المعذرة، تفضلا تفضلا، ومَن هذا أيضاً، ماذا تقول، هل جٌنِنت عزيزي القارئ لتأتي بقاتل مأجور معك للمقال، ماذا، يقتل بكل حُسن نية، يا لله، ما الذي أصابني، أرجوكم أن تترفقوا بي وتتقبلوا إعتذاري ولا تتهموني بسوء النية إذا طلبت الإطلاع على بطاقتكم، حسناً، ما شاء الله، لقد كنت أتوقع أن يكون القاتل المأجور حسِن النية فئة ب أو ج، ولكنكم جميعاً حسني النية فئة أ كما إنها سارية المفعول لمدة بضع سنوات قادمة تمكنكم بالقيام بأعمال إجرامية بحُسن نية، يا مرحباً بكم، ونِعْمَ القراء، ولكن أوَتدري عزيزي القارئ أن هذا الأمر لم يكن بهذه الدقة والعناية في الماضي، أتعلم أن في عهد الرومان والبطالمة كان الأمر بيد القاضي وحده، هو الذي يحدد حُسن نية المتهم من عدمها، إذ كان القاضي يسأله “هل كنت حسِن النية وأنت تقتل فلان”، فيرد المتهم بنعم، فيقول له القاضي “طب قول والنعمة”، وعندما يرددها المتهم يجئ دور القاضي في حسم الموضوع فإما يقول له “تصدق إنك كذاب ياض، أنا مش حاسّك”، أو يقول” خلاص خلاص، صادق يا بني، إنت باين عليك إبن حلال حسِن النية، براءة”، و كان هناك بعض القضاة ممن يتحرجون من التسرع في الحكم على المتهمين (أرواح ناس بقى)، فكان بعضهم على سبيل زيادة الحرص والتأكد يُخرِج رغيف عيش من جيبه ويعطيه للمتهم طالباً منه أن يقطع جزء من الرغيف بجانب عينه اليسرى قائلا “طب وحياة دي النعمة، وحياة دي النعمة أنا حسن النية”، وبمرور الزمن وترقي الحضارات وتقدم العلوم ظهرت نظرية “الإنسان المجرم” للعالم الإيطالي لومبروزو و التي تقوم على معرفة المجرم من تركيبه الجسماني ثم السلوكي والنفسي، وتبعه كثير من العلماء الذين أضافوا للنظرية ووضحوا فيها الشكل الجسماني “للمجرم حسن النية” والذي غالباً ما يكون بريالة وفارق شعره على جنب ومسبل عينيه و بيتهته، كما أكد بعض العلماء على وجود بحة في صوته، ونتيجة لهذا التطور أصبح للقضاة مجال أكبر من محاولات التأكد من حُسن نية المتهم، فبعد قسم المتهم بالنعمة ورغيف العيش على عينيه أصبح من الممكن أن يحدق القاضي ملياً بوجه المتهم باحثاً عن أي أثر للريالة والتدقيق في شعر رأسه وعينيه، ثم كفرط حِرص يعطي المتهم ميكروفوناً طالباً منه ترديد الكلمات “تَس، تِس، واحد إثنين ثلاثه” عله يجد بحة في صوته تنهي حيرته أو تزيد يقينه من أنه أمام متهم حسن النية، أما في عصرنا الحالي ونتيجة لتطور علم الجينات، تم مؤخراً إكتشاف الجين الخاص بحُسن نية الإجرام وما تبعه ذلك من القضاء على جميع المعايير السابقة، إذ إن المواطن الآن عندما يبلغ السن القانونية التي تمكنه من إصدار البطاقة الشخصية يُدرَج بها كونه حسن النية في الإجرام أم لا بعد قيامه بالتحليل اللازم، لكن المحير حقاً في هذه القضية التي نحن بصددها في هذا المقال أن القضاء المصري أو بمعنى أدق المُشّرِع المصري لم يكن مهتماً لفترة طويلة (حتى الآن) بمشروعية الإجرام بحُسن نية، ذلك على الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن الحضارة الفرعونية كانت من أوائل الحضارات التي فكرت وأثارت وقد تكون طبقت هذه النظرية أو القضية، وما مسلات حُسن النية وتماثيل المجرم حسِن النية بل ومعبد إله حُسن النية إلا خير دليل على ذلك، وأخيراً عزيزي القارئ بعد أن أطلت عليك (بحُسن نية) أحب أقول لك إن خير دليل على حُسن نيتي في كتابتي لهذا المقال إني فارِق شعري على جنب.
aymehrem@yahoo.com
https://www.facebook.com/al.lazena