مصر الكبرى
“الإخوان “يفرضون سيطرتهم على الإعلام
لم تمض سوى أيام قليلة بعد تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية في مصر، حتى بدأ الصراع بين جماعة الإخوان، التي ينتمي إليها، وأجهزة الإعلام. فقد سارع مجلس الشورى المصري (الغرفة الثانية في البرلمان) باتخاذ إجراءات تغيير القيادات الصحافية في المؤسسات القومية البالغ عددها خمسين، واستبدل بهم آخرين أكثر اتفاقا مع سياسة «الإخوان».
وكما كان الوضع قبل الثورة، عملت حكومة «الإخوان» على فرض سيطرتها على الصحافة القومية، حتى يتحدث الإعلام باسم الحكومة ولا يصير ممثلا لجميع الاتجاهات السياسية في البلاد. وهكذا – بدلا من إسقاط النظام الشمولي الذي كان سائدا قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) – يبدو أن «الإخوان» يريدون أن يرثوا سلطات الحزب الوطني عن طريق فرض سيطرتهم على الإعلام.
كما قامت الحكومة بمصادرة جريدة «الدستور» المستقلة وتقديم إسلام عفيفي، رئيس تحريرها، إلى المحاكمة الجنائية. وكان سبب هذا الإجراء هو اتهام الجريدة بنشر بيانات وأخبار وشائعات تنطوي على إهانة رئيس الجمهورية. أي أن مهاجمة المعارضين لسياسة الحكومة – التي سمح بها نظام مبارك قبل الثورة – أصبحت الآن جريمة في نظر الحكومة الجديدة، فأين حرية الرأي التي طالب بها الثوار؟ وكيف تمارس المعارضة دورها إذا لم تخالف الرئيس؟ كما قررت الحكومة تقديم توفيق عكاشة، رئيس قناة «الفراعين» التلفزيونية، إلى محكمة الجنايات، ووقف بث القناة لمدة شهر مع إنذارها بسحب الترخيص، بسبب توجيه ما قيل إنه عبارات غير لائقة للرئيس مرسي وتحريض على قتله. وكان عكاشة يقدم برنامجا يسخر فيه من جماعة الإخوان، وحذر الرئيس مرسي من المشاركة في جنازة حرس الحدود الذين قتلوا في سيناء، لوجود خطر على حياته. ومع أن الحرس الجمهوري وجه للرئيس نفس هذا التحذير، فقد اعتبر «الإخوان» كلام عكاشة بمثابة تحريض على قتل مرسي.
ورغم ما ردده الرئيس مرسي مرات كثيرة من أنه لن يقيد حرية المصريين – الذين ولدوا أحرارا – فإن كل من تجرأ منهم على معارضة الرئيس وجماعة الإخوان صار عرضة لمواجهة محكمة الجنايات ومؤيدي الجماعة. وفي الوقت الذي يعلن فيه «الإخوان» عن قبولهم مبادئ الديمقراطية وتبادل السلطة، فهم لا يسمحون بالمعارضة ويتهمون كل معارض بالخيانة، مطالبين الجميع بالوقوف خلف الرئيس محمد مرسي وحكومته. وإذا نظرنا إلى البلدان الديمقراطية، فسنجد أن الأحزاب المعارضة تملك كل الحق في رفض سياسة الحكومة والاختلاف معها في ما تراه معارضا لمصلحة الدولة. ففي هذه البلدان التي تقوم على أساس تبادل السلطة، وبالتالي تقبل بوجود المعارضة، يكون لكل طرف الحق في نشر ما يراه صحيحا من الحقائق والآراء، ويصبح على الطرف الآخر تفنيد ادعاءات خصمه، بينما لا تسمح الأنظمة الشمولية بوجود معارضة وتعمل على احتكار الصحافة ووسائل الإعلام.
ومع أن الولايات المتحدة تحاشت التدخل في الشؤون المصرية الداخلية منذ انتخاب محمد مرسي رئيسا، فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن وجود حالات في مصر تهدف إلى ترويع الإعلاميين والصحافيين المعارضين لجماعة الإخوان وللرئيس محمد مرسي. كما انتقدت فيكتوريا نولاند – المتحدثة باسم الخارجية الأميركية – ما يتعرض له الإعلام المصري من ضغوط، وما جرى من معاقبة قناة «الفراعين» وجريدة «الدستور» بسبب انتقادهما سياسة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان.
وفي الجانب الآخر فإن الحكومة التي وعدت بتحقيق الأمن في البلاد، قد سمحت هي نفسها لمؤيدي الجماعة بتهديد كل من يعترض على سياسة الرئيس. بل إنها سمحت بتهديد المخالفين للرئيس بالقتل، دون أن تتدخل سلطات الأمن لمنع هذا التهديد ومعاقبة من أصدره. فقد أصدر الشيخ هاشم علي – الذي ادعى أنه عضو بلجنة الفتوى بالأزهر – فتوى اعتبر فيها أن كل من يخرج في مظاهرة 24 أغسطس (آب) للتعبير عن رفضه لسياسة الرئيس مرسي يصبح خائنا لله وللوطن، وطالب بضرورة إقامة حد الحرابة الكبرى عليه. وقال هاشم إن الرئيس محمد مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، ومن يخرج عليه يعتبر خارجا بجريمتي الحرابة الكبرى والخيانة العظمى لله والرسول والمؤمنين، وصرخ قائلا: «يا شعب مصر قاوموا هؤلاء، فإن قتلوا بعضكم فبعضكم في الجنة، وإن قتلتموهم فلا دية لهم ودمهم هدر» (جريدة «الشروق» 17/8/2012).
وكان محمد أبو حامد – النائب في مجلس الشعب المنحل عن حزب المصريين الأحرار – قد دعا إلى مظاهرة يوم 24 أغسطس (غدا) تدعو إلى رفض مشروع الدستور الذي تعده الجمعية التأسيسية الخاضعة لـ«الإخوان»، ورفض سيطرة مرشد الجماعة على حكم البلاد. وحتى الآن وافقت سبعة أحزاب سياسية على تلبية الدعوة والمشاركة في المظاهرة، وأعلن حزب التجمع اليساري عن رفضه تحويل مصر إلى «إمارة إخوانية» يحكمها المرشد. كما رفض الحزب الإجراءات الاستبدادية التي يمارسها الرئيس وحكومته، والتي تدعو إلى «تأديب المعارضة» و«أخونة» الصحف القومية وأجهزة الإعلام.
هل قامت ثورة 25 يناير كي تسقط دكتاتورية الحزب الوطني وتقيم دكتاتورية جماعة الإخوان بدلا منها؟ وبينما يعيش شعب مصر في ظلام دائم منذ بداية حكم الرئيس مرسي بسبب انقطاع الكهرباء، هل تعتقد جماعة الإخوان أن الشباب الذين نزلوا الميدان في 25 يناير متحدين رصاص الحزب الوطني ومصفحاته، سوف يخشون النزول في 24 أغسطس خوفا من إهدار الشيخ هاشم دماءهم؟!