مصر الكبرى

07:30 مساءً EET

د. عادل عامر يكتب … ثمار الفكر السلفي المعاصر لمفهوم الهوية

ليس من قبيل المصادفة أن تحتل إشكالية الهوية والمغايرة مكانة رئيسية في الفكر العربي المعاصر ، وفي هذه المرحلة الشديدة الالتباس في حياة العرب ،بخاصة تطرح في إطار وضع تاريخي عالمي مختلف،قائم على الاستقطاب والأحادية ،

جعل شعاره صدام الحضارات وهوية التاريخ، يهدف إلى إقصاء الهويات الحضارية والخصوصيات الثقافية وسيطرة نمط حضاري واحد .إن هذه السيطرة الحضارية الواحدة التي تشكل إحدى سمات عصرنا الراهن،تعكس تفاوتا حضاريا بين الأمم ، بين من يسهمون فيها ويعيدون إنتاج هذه الحضارة ، ومن يقفون في مستوى حدود استهلاك جهود و ثمرات من أنتجوا هذه الحضارة بخاصة في شكلها الرأسمالي ، أو ما يسمى حاليا بالعولمة،و على الرغم من أهمية و ضرورة التمييز بين العولمة والهيمنة، إلا أن مظاهر العولمة العلمية والتكنولوجية أدت إلى هيمنة ثقافية شاملة للآخر المتقدم ،
إن أهمية تحديد المفاهيم في مجال تاريخ الأفكار أو سوسيولوجية الفكر من أجل تحديد ومتابعة الاتجاهات والحركات التي يمكن أن تندرج تحت مفهوم «السلفية»، والذي يمكن القول أن كثيراً من الاتجاهات ذات المنحى الديني تنتسب إليه، وان لم تكن تحمل مصطلح السلفية، قد تختلف في درجة سلفيتها ولكن ليس في كيفيتها أو نوعيتها، فهي تلتزم بالعودة إلى التراث باعتباره مرجعاً لأي تفكير معاصر. وهي كانت دائماً حركة تحديثية بأدوات ومناهج تقليدية بما يمكن تسميته «بالحداثة المعكوسة»، فهي تحاول اللحاق بالعصر ومواكبة المستجدات ولكن التزامها بالدين يتطلب تحديد العلاقة بين الدين والفهم البشري الزمني والنسبي من جهة أخرى.: أين موقع السلفيات وسط هذه التحولات السريعة والكثيفة؟ وكيف ستواجه بداية قرن شهد القرن السابق له مستجدات ومتغيرات تساوي ما عرفته البشرية منذ فجر التاريخ؟ وهل ستظل السلفيات تصر في القرن القادم الذي سيمثل قمة النضج الإنساني، على أنها تمتلك التقدم الروحي بلا إنجازات مادية؟ وهل هي قادرة على أن تساهم روحياً‏ وخلقياً في حضارة تتهمها بالمادية الخاوية؟ وهل يمكن الفصل بين المادي والروحي؟ إن هذا الأسئلة تمثل تحدياً حقيقياً يواجه السلفية وتنتظر إجابات صحيحة. يطرح الباحث استنتاجاً حول الفكر السلفي فيعده فكر أزمة بسبب محاولات التوفيق التي يقوم بها بين المثال والواقع، بين تأكيد الذات ومواجهة الآخر، وبين النسبي والمطلق، فهو يحاول التكيف ولكنه يرتكز في ذات الوقت على فرضية تعاليه بسبب امتلاكه للحقيقة المطلقة. ويربط الدكتور حيدر إبراهيم بين ظهور السلفية ونموها وبين الأزمات التي يتعرض لها أي مجتمع بشري، إذ يحيل السلفيون سبب الانحطاط والتراجع إلى البعد عن أصول ومنابع الدين الأولى. فهو يرى أن ظهور تلك الحركات يأتي بشكل دورات تاريخية، فخلال فترة تدهور الدولة الأموية ظهر عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة ومالك، وفي فترة ضعف الدولة العباسية ظهر ابن حنبل والشافعي، وتبع التدهور العثماني ظهور الوهابية والسنوسية والمهدية والسلفية، وفي بيئة الأزمات الحالية نمت حركة الأخوان المسلمين في أقطار الأرض العربية.
أن السلفيين لا يفسرون السلفية زمنياً ولكن باعتبارها حالة وطريقة تفكير موجودة في كل مراحل التاريخ، ويرون أن حضارة المسلمين قامت على أعمدة العقيدة، ويجب أن تبقى العقيدة بعيدة عن الذوبان بالآخر، وإن كان ذلك لا يحول دون الإفادة من منتجات الغرب العلمية والتقنية.
أن السلفيين يتفقون حول سبب الانحطاط والتخلف ويرجعونه إلى البعد عن أصل الدين، ويرى أنهم يطرحون الأسئلة بشكل صحيح ولكنهم يقدمون الإجابات بشكل خاطئ، وهذا ما يجعلهم معارضين جيدين وحكاماً سيئين إذا وصلوا إلى السلطة. وانتقد الانتقائية كأسلوب تفكير سلفي وكيفية تعاطيها مع الحداثة. عن مدى قدرة السلفية على القيام بثورة ثقافية، أو تدشين لاهوت تحرير إسلامي، على غرار ما حدث في أمريكا اللاتينية؟. المشكلات المتعلقة بمصطلح السلفية إن الفهم الذي استقر عند جملة القائلين بالمعاني التاريخية والمعاني المحدثة أو المجددة للسلفية هو ردها إلى السلف الصالح فحسب «القرون الثلاثة الأولى» على وجه التحديد، وأن المبدأ الأساسي الذي ترتد إليه السلفية هو «الإتباع لا الابتداع». فقد استقر الرأي في التقليد الإسلامي أن القصد هو إتباع هؤلاء السلف عن بيّنه ويقين لا تقليد آرائهم عن جهل ومهابة. وأن مطلع القرن الثالث الهجري شهد ظهور أول جيل لما يسمى «بالوعي السلفي»، إذ اعتقد أصحاب الحديث والنقل إن تيار الرأي والعقل الضارب في الروح الإغريقية، يمكن أن يأتي على الأسس التي يقوم عليها الإسلام. أما الظهور الثاني للنزعة السلفية فتبين عند نهاية الخلافة العباسية حيث يضع ابن تيمية اللوم على أهل البدع من جهمية وقدرية وباطنية وصوفية، ويدعو إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف. والظهور الثالث نشهده مع ضعف الدولة العثمانية على يد الحركة الوهابية في الحجاز. بيد أن هذه الموجة تراجعت مع تقدم تيارات الفكر الحديث والجماعات الليبرالية، على أن إخفاق الأنظمة التقدمية والقومية في تحقيق مشاريع التقدم أدى إلى عودة تيار السلفية إلى الشارع العربي بما يسمى عند الإسلاميين بالصحوة الإسلامية. أن الليبرالية في مفهومها الأصلي لا تعني بالضرورة الديمقراطية، بل إن الصحيح القول أن الليبرالية قد نشأت أولاً ثم تم دمقرطتها بعد ذلك، فالفكرة الليبرالية قامت على الحريات دون أن تشير إلى نطاق المستفيدين من تلك الحريات. ومن خلال هذا التزاوج التاريخي بين الليبرالية والديمقراطية برز تعبير الديمقراطية الليبرالية الذي ينطلق من مفهوم «حرية الاختيار»، ونقل مفهوم السوق من مجال الاقتصاد إلى مجال السياسة، ليقوم النظام السياسي على حرية الاختيار بين الاتجاهات السياسية. ثانياً.. استقبال الأفكار الليبرالية في الوطن العربي: يرجع الدكتور هلال حركة الإحياء الثقافي والفكري في الوطن العربي إلى عدد من التغيرات السياسية والاجتماعية منها الهزائم العسكرية التي تعرضت لها الدولة العثمانية على يد أوروبا، وشعور المثقفين بأن هناك عالماً جديداً ولد في أوروبا الغربية زود جيوشها بمصادر للقوة العسكرية لم تكن معروفة في الدولة العثمانية. وقد تطور الفكر الليبرالي في العالم العربي على يد الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801-1873)م وعكست كتابات الشيخ انبهاره بالفكرة الليبرالية وبقيم الحرية والمساواة، وتقدير قيمة الفرد والملكية، وكان يرى إمكانية التوفيق بين أفكار الليبرالية السياسية ومبادئ الدين الإسلامي. وكانت المحطة الأخرى البارزة في استقبال الأفكار الليبرالية كانت مع خير الدين التونسي (1810-1899)م الذي زاوج بين الفكر والممارسة ودعا خير الدين إلى الاستفادة من الأفكار والمؤسسات الأوروبية الحديثة، وأكد أنه يمكن تحقيق ذلك في انسجام مع الشريعة الإسلامية.
إن الدور الكبير الذي لعبه أحمد لطفي السيد (1872-1963)م باعتباره أكثر المفكرين الذين تمثلوا الليبرالية، وقد أكد لطفي السيد على الحقوق الرئيسة لليبرالية وأضاف إليها حق الشعوب أبرز الخصائص التي تنسب للتصور الإسلامي للوجود «فخير الأمور أوسطها»، والوسطية شديدة الصلة ـ برأي الأنصاري ـ بالتوفيقية لأن التوفيق توسط بين أطراف، وكما لاحظ باحثون ـ من المسلمين وغيرهم ـ فإن النهج الإسلامي يمثل توفيقاً متوازناً ومعتدلاً بين ما في رسالة موسى من تشريع وما في دعوة المسيح من أخلاقية. فكان ذلك مثالاً للتوفيق الديني المتكامل.

التعليقات